الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من وسواس شديد جداً في الصلاة والوضوء، ما الحل؟

السؤال

السلام عليكم.

أعاني من وسواس شديد جداً في الصلاة، وانتقل إلى الوضوء حتى إني أصبحت أؤخر صلواتي عمداً بسببه أقف لساعات كثيرة لكي أصلي، ولكي أنوي ولا أعرف كيف أنوي، لأني أجد صعوبة كبيرة في ذلك، وصعوبة أكبر في النية، وأخاف أن أكبر خطأً وأن رفعي ليدي في التكبير خطأ، لأنه يجب أن تكون أصابعي أمام كتفي بالضبط، فأجد صعوبة في جعلها أمام كتفي، وأقطع الصلاة، فهل يصلح لو كانت فوق كتفي بقليل؟

إني بعد أن أكبر تأتيني أفكار أني أخطأت في شيء، ثم تأتيني أفكار كثير تشتتني، وأشك أني نويت قطع الصلاة فاقطعها.

أخطئ أحياناً في نطق بعض الحروف في الصلاة، فأخاف أن صلاتي باطلة بسبب عدم نطقي الجيد للحروف، فأقطع الصلاة، فهل عدم نطقي الجيد للحروف وعدم سماعي لنفسي يبطل الصلاة؟

سمعت منكم من قبل أن المهم هو إخراج الحروف من مخارجها، ولم أفهم معنى هذا، فما معناه؟ وسمعت أن النية في الوضوء يجب أنوي بها رفع الحدث والطهارة والصلاة، ولم أفهم ذلك، كيف أنوي؟!

لاعرف كيف أنوي في الوضوء والصلاة، أجد صعوبة كبيرة في ذلك حتى الصلوات أصبح وقتها يخرج بسبب هذا الوسواس الخبيث، فلقد أتعبني كثيراً، وتعبت جسدياً ونفسياً وعقلياً منه، حتى حياتي ضاعت بسبب وسوستي في الصلاة، فأصبحت أنعزل في غرفة وأمضي ساعات كثيرة لأصلي صلاة واحدة.

أرجوكم ساعدوني وأعطوني حلاً لمشكلتي، لأرتاح ويبعد عني هذا الوسواس، لا تحيلوني لاستشارة أخرى، لأني قرأت كل الاستشارات التي هنا عن الوسواس.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أختنا الفاضلة- في موقعك إسلام ويب، وإنا لسعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن ييسر أمرك وأن يفرج كربتك إنه جواد كريم.

أما ما تفضلت به من تساؤل فإنا نحب أن نجيبك من خلال بعض النقاط التالية:

-: لماذا القلق ينتابك؟ ولماذا الوسوسة أقلقت حياتك؟ الإجابة على هذا السؤال ستفتح لك نصف العلاج، فانتبهي رعاك الله.

إن القلق والهم الذي أصابك لأنك قررت المواجهة وعدم الاستسلام، قررت ألا تفرطي في صلاتك، قررت أن تفعلي أي شيء لأجل أن تقيمي الصلاة، وأن تعبدي ربك، ولو أدى ذلك إلى ضياع وقت كثير وجهد عظيم.

إذاً فأنت محبة لله ورسوله، وأنت متدينة، وأنت طائعة، وأنت مجتهدة.

كرري هذا الكلام كثيراً على مسامعك، لأن هذا سيعالج هذا اليأس الذي كدنا نشم رائحته.

-: بقي النصف الآخر من الدواء، وهو كيف أعالج الوسواس .

قد تفاجئين حين تعلمي أن الأمر الذي أقلقك وأتعبك علاجه يسير جداً، المهم أن تتفهمي كلامنا التالي، وأن تطبقيه، أختنا الكريمة.

نريدك أن تعلمي أن ما يحدث معك هو أمر طبيعي، وغالباً لم ينج أحد منه، حتى بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال: قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَحَدَنَا لَيُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِالشَّيْءِ يَعْظُمُ عَلَى أَحَدِنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، قَالَ: (أَوَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ)، أي: هذا هو الإيمان الصَّريح الخالص؛ وعليه فما يحدث معك مصدره الشيطان، يريد أن يعكر علىك تدينك.

طبيعة الوسواس أنه لا يستطيع أن ينتشر أو يبسط إلا في بيئة التفكير السلبي، ويعتمد على أمرين:
- إظهار ضعفك وخوفك.
- إضعاف ثقتك بنفسك.

إذا أردت القضاء عليه فعليك أن تحولي كل أمر سلبي إلى إيجابي، فالوسواس سخيف، والإنسان يربطه في فكره بالسخف، فرددي لنفسك دوما:
هذا وسواس، وكلام فارغ، وكلام سخيف، هذا نوع من التغيير المعرفي المهم جدًّا، فحين يستخف الإنسان شيئًا فسيحتقره، وحين يحتقره فسيحدث ما يعرف بفك الارتباط الشرطي، أي أن الوسواس يُصبح ليس جزءًا من حالة الإنسان.

هذه التمارين تحتاج للصبر والتكرار والجدية في تطبيقها، وأن يخصص الإنسان لها وقتًا معينًا، ولا بأس أن تقولي:(هذا وسواس) اكتبيه عدة مرات، عشراً، عشرين مرة، وبعد ذلك حاولي أن تحقريه فكريًا وستصلين فعلاً إلى سخفه، وهكذا.

حتى تتخلصي من الخوف نرجو منك أن تقرئي كتاباً ميسراً في العقيدة، وخاصة باب القضاء والقدر، واحفظي هذا الحديث وكرريه كثيراً على مسامعك، عن عبد الله ابن عباس قال: "كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأمة لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ).

لن يستطيع أحد إيذاءك أبداً، ولن يقدر أحد على أن يصيبك بمكروه، ثقي أن الله حافظ لك.

هذا أول ما ينبغي أن تجعليه في قلبك، وليكن شعارك قول الله تعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا)، هنا تجدين الاطمئنان والبشر والسعادة والسرور وراحة البال ملازمة لك.

إذا ذهبت إلى الصلاة فتوضئي جيداً وتذكري ما قمت بفعله، فإذا انتهيت من الوضوء فلا ترجعي إليه مهما أتاك من وسواس.

لا تلتفتي إلى وساوس الشيطان بعد انتهاء العبادة ، فإن تلك الوساوس لا محل لها ولا عبرة بها ، فإن أتاك الشيطان بعد الصلاة وأخبرك أن الصلاة ناقصة سجدة أو ركعة فلا عبرة بحديثه ما دمت قد انتهيت من الصلاة أو العبادة.

- إذا اتّخذت كلّ الأسباب التي تُعينك على الخشوع في الصلاة وما زال هُناك بعض الوسوسة فاعلمي أنّها من الشيطان وافعلي كما جاءنا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم أنَّ عثمان بن أبي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثاً، قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني.

بالنسبة لوضع اليد في الصلاة عند الكتف أو فوقها بقليل فالأمر لا يقدح في صحة الصلاة من عدمها، وعليه فلا حرج عليك.

أما نطق الحروف فينبغي ألا يشغلك هذا أختنا، لأن الحروف التي تتحدثين بها هي الحروف الطبيعية للصلاة، فكل حرف له مخرجه الطبيعي،ـ ويمكنك ن أن تنطقي مثلاً حرفي (الميم، والكاف) لتكتشفي الفرق، وستجدين أن حرف الكاف لا يمكن أن يخرج من مخرج حرف الميم، تلك طبيعية فطرية، فاقرئي -أختنا- بهدوء واسمعي نفسك في صلاتك ما دمت وحدك فإن هذا أدعى إلى التذكر.

كذلك النية للوضوء كما ذكرت، تتضمن رفع الحدث والاستعداد للصلاة، وهذا أمر بسيط، وحتى نقربه منك دعينا نسألك سؤالين:
لماذا تذهبين إلى الوضوء؟
الجواب لأجل أن أصلي.
سؤال: ولماذا لا تصلين مباشرة من غير وضوء.
الجواب: لأن الوضوء شرط لصحة الصلاة.
هذا –أختنا- ببساطة هو المعنى المراد من النية، ولا يشترط تردادها، فأنت بمجرد ذهابك للوضوء لأجل الصلاة يعتبر في حد ذاته نية.

إن لك الأجر مرتين أختنا الفاضلة، أجر على الصلاة وأجر على مجاهدة الشيطان، وإننا على ثقة من أن استمرارك على الطاعة وعلى ما ذكرنا لك من نصائح مؤذن إن شاء الله بصلاح حال صلاتك.

نسأل الله أن يوفقك وأن يسعدك وأن يذهب عنك ما ألم بك.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية sdchn

    شكرا لكم وجزاكم الله خير على مساعدتي سأتذكر دائما كلامكم هذا ليساعدني على التخلص منه

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً