الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أدعو الله بإلحاح، فهل يعتبر من الاستعجال وعدم الصبر؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة أبلغ من العمر 22 سنة، لدي حاجة مثل أي من البشر عند رب العالمين، والحمد لله أدعو الله في كل يوم، وأغلب الأوقات في الصلوات والضحى وقيام الليل والوتر، وأتقرب إلى الله بالطاعات والصدقة والذكر، أحاول أن أبتعد عن الذنوب والمعاصي، أبكي وأتوسل وألح في دعائي لرب العالمين.

أخاف من شدة بكائي أن يسمعني أهلي، فأنا قوية أمامهم، لكني ضعيفة أمام الله سبحانه وتعالى، عندما أرفع يدي تنزل دموعي وأشكو همي وحزني لربي، وكلما دعوت أشعر أنها تضيق وتشتد أكثر، يحزن قلبي ولا أستطيع النوم، إلا بعد أن أصلي وأدعو الله.

الحمد لله لدي يقين أن الله يستجيب لي ويعوضني ويفرح قلبي ببشارة تسعدني, أريد أن أسعد أمي وأبي وأخواتي، أسأل الله كل يوم أن يرزقني.

أشعر أن قلبي وقلوب عائلتي لم تفرح، مررنا بفترات طويلة من الحزن، لهذا أدعو الله أن يرزقني، هل فعلا كلما تأخرت الإجابة وازداد الصبر يعوضني الله بأجمل مما تمنيت ودعوت؟

أريد أن يطمئن قلبي، كيف أعرف أن الله راض عني؟ هل ما أفعله من كثرة الإلحاح والدعاء يعتبر استعجالا في الإجابة؟ ما الذي يجب علي أن أفعله حتى يستجيب الله دعائي؟

بالي وفكري مشغول بالتفكير في عائلتي طوال اليوم، أسأل الله تعالى أن يفرج همي وهموم كل المسلمين، بعض الأحيان أدعو الله ببشارة تفرح وتأتي فجأة، الحزن سيطر علي، ولا أعلم ماذا أفعل غير الدعاء.

وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فالدعاء عبادة عظيمة يتقرب بها العبد إلى الله سبحانه وتعالى، وهو سلاح المؤمن في جميع أمور حياته، ولو علم الإنسان أثر الدعاء والاستجابة لما توقف عنه.

والدعاء نوعان:

الأول: دعاء عبادة؛ يقوم به العبد اعترافاً بفضل الله، والاستغفار للتقصير في عبادته وهو أعظم الأنواع.

الثاني: دعاء المسألة لقضاء الحاجات؛ وهو الدعاء بجلب نفع أو إبعاد مضرة، وقد تكون للمسلم والكافر ويكون للأمور الدنيوية، ولا يعني استجابته محبة الله ونيل رضوانه، وإنما رحمة من الله لمن دعاه به.

وقد جاء الأمر بالدعاء في القرآن الكريم بصيغ وأساليب متعددة منها:

1- قوله تعالى: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [الأعراف: 55].
2- وقوله تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60].
3- وقوله عز من قائل: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]. .

وقد دلت الأحاديث على أن العبد لا يعدم من دعائه خيرا، ففي الحديث: "ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذن نكثر، قال: الله أكثر وأطيب"، رواه أحمد.

وجاء في الحديث التصريح بأن إعطاء العبد إحدى هذه الخصال الثلاث يعد استجابة لدعائه، قال صلى الله عليه وسلم: "ما من رجل يدعو بدعاء إلا استجيب له، فإما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، أو يستعجل. قالوا: يا رسول الله وكيف يستعجل؟ قال: يقول: دعوت ربي فما استجاب لي.) رواه أحمد والترمذي، فهذا كله من استجابة الدعاء، والله تعالى يفعل لعبده ما هو الخير والمصلحة.

فعلى العبد أن يجتهد في الدعاء محسنا ظنه بربه، عالما أن الخير لا يأتي إلا من قبله تعالى، ثم يرضى بعد ذلك بما يقدره الله ويقضيه، ولكن قد يختلف نوع الإجابة بحسب ما تقتضيه حكمة الله تعالى سبحانه، لذا فتضرعك إلى الله ودعاؤك وتقربك إليه وانطراحك بين يديه، من أفضل القربات وأجل الطاعات، فأكثري منها واستمري عليها، ولا تيأسي من الاستجابة، فإن الله سبحانه كريم عظيم يستحي أن يرد يدي عبده صفرا، وربما أخر الله الإجابة لحكمة يعلمها سبحانه.

وما يصيب أهلك من حزن، هو ابتلاء واختبار لرفع الدرجات وتمحيص السيئات، فليصبروا وليحتسبوا الأجر، ولا يتسخطوا أقدار الله سبحانه، وكلما تأخرت الإجابة بالفرج، مع الصبر والاحتساب، كلما زاد الأجر والثواب -إن شاء الله-، وتحصيل رضى الله للعبد يكون باتباع أوامره واجتناب نواهيه، والقرب منه والرضى بمناجاته والفرح بعبادته، فإذا كان الإنسان كذلك، فهذا علامة على رضى الله عنه.

وإلحاحك بالدعاء والتضرع إلى الله، مع حسن الظن به، والثقة بما عنده، تعتبر عبادة له سبحانه، وليس في ذلك استعجال، فالاستعجال هو أن يدعو العبد ربه ثم يترك ويقول دعوت ولم يستجب لي، أما من يستمر ويلح على الله بالدعاء، فهذا يدل على قوة تعلقه بالله سبحانه.

- ولكي يستجاب دعاؤك فعليك بتحقيق شروط استجابة الدعاء، وهي:
1- الإخلاص لله سبحانه.
2- البعد عن أكل الحرام.
3- البعد عن الدعاء بأثم أو قطيعة رحم.
4- الإلحاح على الله بالدعاء.
5- اختيار أوقات الاستجابة للدعاء: كالثلث الأخير، وفي السجود، وعند الإفطار للصائم، وبين الأذان والإقامة، وعند نزول الغيث ونحوها.
6- عدم الاستعجال في الدعاء.
7- حسن الظن بالله وكمال الثقة به جل وعلا.

بالإضافة إلى الطهارة ورفع اليدين واستقبال القبلة، وهذه من آداب الدعاء، وفي كل الأحوال ثقي بالله، واستمري في الدعاء والإقبال عليه بحسن الظن فيه، وستجدين أثر ذلك قريبا -بإذن الله-.

وفقك الله لما يحب ويرضى، ويسر أمرك واستجاب دعاءك، وأفرحك وأهلك بتحقيق أمنيتك في طاعته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً