الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طولي يسبب لي الإحراج أمام الناس، فسأمت الحياة كلها

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة عمري 21 سنة، مشكلتي بدأت منذ 3 سنوات تقريبًا، لا أعرف إن كان بإمكاني أن أطلق عليها اسم مشكلة؟ لكن هذا الأمر بدأ يسلبني راحتي، حيث أعاني من نقص في الثقة بالنفس، رغم أن لدي العديد من النِعم، إلا أنني كثيرًا ما أركز على ما ليس عندي.

أعلم أن هذا الأمر لا يحبه خالقي، ولكنني لا أستطيع التحكم بما أشعر به، ومشكلتي التي باتت تشغل بالي ليل نهار هي طولي، أشعر بأنني مختلفة عن بقية البشر، بالرغم من أنني كنت أحب كوني طويلة (في عمر أصغر)، ولكن تعليقات بعض الناس مؤذية جدًا، فبدأت أحسب ألف حساب قبل أن أهم بفعل أي شيء، ففي كل شي أريد أن أفعله أفكر كيف سيكون مظهري وأنا بهذا الطول؟ للعلم أن طولي هو 1.77 سم، ربما هنالك من سيسخر من تفكيري، ولكن صدقوني أنا لا أتكلم عن تجربة واحدة، ففي كل يوم، وفي كل ساعة أفكر بهذا الشيء.

أفكر كيف سيكون مظهري إذا تحدثت مع الناس وبدأوا ينتقدوا طولي، منذ صغري كنت أسمع تعليقات لكن كنت مقتنعة بأنهم على خطأ، ولكن الآن بدأت أشعر بأنه ربما معهم حق في ذلك، أنا لا أبالغ، بل اختصرت كثيرًا مما أعانيه، وأخذ معي وقتًا طويلًا حتى قررت أن أرسل لكم سؤالي، لأنني قلت في نفسي سيتغير تفكيري يومًا ما، لأن في الحياة مصائب أكبر بكثير من مشكلتي، ولكن صدقوني أنا لم أتوجه إليكم بسبب شيء تافه، وأشعر بأن هذا الأمر بدأ يؤثر على حياتي من كل الجوانب، وأشعر أحيانًا بأنني سئمت من الحياة وأتمنى الموت، ربما لأنني علقت سعادتي بأمر كهذا.

أقارن نفسي بكل شخص، وهذا الشيء يتعبني كثيرًا، وكثيرًا ما أفكر هل سأجد زوجًا أطول مني؟ (علمًا بأنني أعرف من هم أطول مني)، ولكن هل أنا مقبولة؟ مع أنني راضية عن شكلي -ولله الحمد-، وأعلم أن الزواج رزق، ولكن نفسي تقول لي دائمًا بأنني سأعاني.

أعلم بأن كل ما أفكر فيه قد يكون نهايته التعاسة، وربما عصيان الخالق، لأنه هو من تفضل علي بهذه النعمة، ولكن أريد أن أجد طريقة أغير بها هذا التفكير، وأعيش بثقة، ولا أقارن نفسي بأي فتاة أخرى، فأنا لا أقارن نفسي بأي شيء سوى الطول، وآخر ما أريد قوله بأن علاقتي مع ربي بدأت تضعف، حتى في صلاتي أفكر ولا أخشع، أريد أن تعود علاقتي بربي قوية وصادقة، أريد منكم وسيلة لنزع هذا الشعور من صدري، وأريد أن أمارس حياتي بطريقة طبيعية، فكيف لي ذلك؟

عذرًا على الإطالة، جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

كل خلق الله حسن سواء طول الإنسان أو قصره، وسواء جمال صورته أو عكس ذلك، ولله في ذلك الحكمة البالغة فهو سبحانه من يوزع تلك النعم، وذلك جار وفق قضاء الله وقدره.

أنت صاحبة قامة متوسطة، فلست بالطويلة التي تلفت النظر، ولست بالقصيرة التي تلفت النظر، فلم كل هذا التفكير والتحسس من نظرات الناس؟ فنظرتهم ربما ليست كما تفكرين فيها، وإنما لتوسط القامة التي وهبك الله إياها، وستجدين من هو في نفس قامتك أو أطول منك قليلا، ولا عيب إن تقدم لك من هو أقصر منك بقليل، فليس المهم القامة، وإنما الشخص الذي يفهمك ويفهم مشاعرك ويشبع عواطفك.

راحة النفس تكمن في الرضا والتسليم لقضاء الله وقدره ففي الحديث: (فمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ)، فعليك أن ترضي بقضاء الله وقدره، وحذار أن تتسخطي، وإلا فالجزاء من جنس العمل.

طول قامتك لن يزداد على ما هو عليه، فإن النمو عند الإناث عادة ما يتوقف عند سن السابعة عشر، وقد يزيد أو ينقص سنة أو سنتين، فأحسني الظن بالله تعالى، فمن ظن بالله خيرا وجده، ومن ظن شرا وجده، ففي الحديث القدسي: (إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلا يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، إِنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ).

تفاءلي، فالتفاؤل خلق نبيل من أخلاق النبوة، وهو يبعث على راحة القلب، وسلامة الصدر، ويبعث على الأمل، والتشاؤم يورق النفس، ويضيق العيش، ويجلب الهم والغم، فلا تركزي على هذه المسألة، فالتركيز عليها سيشغل بالك، وقد يتطور الوضع فتصبح حالة نفسية يصعب علاجها، فما أنت فيه نعمة وليست نقمة، فكيف تصيرين هذه النعمة نقمة، فعليك أن تشكري الله تعالى عليها.

تمني الموت أمر غير مشروع، كما قال نبينا -عليه الصلاة والسلام-: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، وإن كان فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خير لي)، ولكي يزول ما في نفسك من الهم الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).

اشغلي نفسك بالطاعات المتنوعة، وحافظي على وردك اليومي من القرآن الكريم، وأذكار اليوم والليلة، فبذلك يطمئن قلبك كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، وتحصلين على الحياة الطيبة، كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

مارسي حياتك بشكل اعتيادي، واختلطي بزميلاتك الصالحات، واشغلي نفسك بمساعدة والدتك في أعمال المنزل، ومارسي الرياضة المتاحة، ورتبي وقتك بشكل جيد.

نسعد بتواصلك ونسأل الله لك التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً