الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أغير مسار حياتي السيئة إلى نجاح وتوفيق؟

السؤال

السلام عليكم.

أشكر هذا الموقع والعاملين على نشر الخير، وأحبكم في الله، وثقتي في هذا الموقع كبيرة ودوما أتابعه.

كنت إنسانا ناجحا جدا، ولكن منذ سنتين تغيرت حالتي ورسبت وفشلت، وأصبحت ضعيفا ودخلت في دوامة العادة السرية والمعاصي، كذلك أعاني من تفضيل أبي لأخوتي من زوجته الأخرى علينا رغم أنه يدعي أنه يعدل بيننا، ولا يحب لنا الخير.

أريد أن أغير حياتي للأحسن، أريد حياة سعيدة ناجحة وشخصية قوية، والتخلص من الكذب وإصلاح ما أفسدته بالكذب، وأيضا لاحظت أن دعواتي مستجابة، على ماذا يدل ذلك؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ وليد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

- بارك الله فيك – أخي العزيز – وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع, وحرصك على البعد عن أسباب الفتن والشهوات المحرمات وإضاعة الأوقات فيما يضرك في الدين والصحة والأخلاق, وذلك بالاسترسال والتساهل فيها, سلمك الله وعافاك وحفظك من كل سوء ومكروه.

- بخصوص ما يمارسه والدك من خطأ وظلم وتمييز بين أولاده, فلا ينبغي لهذا الجانب أن يؤثر على صحتك النفسية ونجاحك في حياتك الاجتماعية والعلمية عامة, بل فإن العاقل تدفعه هذه التحديات إلى الأحسن.

- ولا يخفاك أن الواجب مع الوالدين ولو كانا قاسيين – بل وكافرين – التعامل معهما بمقتضى البر والإحسان, كما في قوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكِبَر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربِ ارحمهما كما ربياني صغيرا) وقال سبحانه: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا).

- ولا بأس بتنبيه والدك وتذكيره بخطئه ولو بالاستعانة – بمقتضى الحب والأدب – ببعض عقلاء الأهل ممن تتوفر فيه صفات الحكمة والحنكة والمروءة والشهامة والستر وحفظ السر وقبول والدك له وتأثره به ليقوم بدوره بنصحه بالأسلوب المناسب وتنبيهه الى خطأ تصرفاته ومخالفتها للشرع الحنيف في تكريم المرأة عامة والزوجة خاصة, وأن ضغوطات الحياة لا يجوز أن تحمله على تضييع حقوق أولاده وزوجته الشرعية, وتذكيره بما ورد في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم : (الظلم ظلمات يوم القيامة).

- احرص على أن تكون عوناً لأمك وإخوانك, والتخفيف عنهم ومواساتهم بالكلمة الطيبة والطاعة والخدمة وتذكيرهم بفضل الصبر على البلاء عامة, وعلى خطأ الوالدين خاصة, والتزام عبادة وعقيدة الشكر على النعماء والإيمان بالقدر والرضا بالقضاء وما أعدّه الله تعالى للصابرين من حسن الجزاء يوم اللقاء.

- وأما بخصوص ما تمارسه أنت من عادات سيئة, فأنصحك بالمبادرة إلى التخلص من كل الوسائل التي تسهم في فتنتك عن الدين وتغويك عن صراط الله المستقيم, وضرورة التوبة والامتناع من ذلك له وأن في ذلك مصالح الدنيا والآخرة والحرص على شغل الوقت والفراغ فيما يعود عليك الفائدة والمنفعة في دينك ودنياك, وقد صح عند البخاري: (نعمتان مغبون فيهما – أي خاسر ومخدوع – كثير من الناس: الصحة والفراغ).

- وأما بخصوص سؤالك عن كيفية تغيُّرك للأحسن لاستعادة نجاحك وتميّزك وإمكانية بنائك للشخصية القوية والتخلص من الكذب, فمن المهم هنا اتباع الوسائل التي تعين على تقوية الإرادة حيث وهي– أخي العزيز –الطريق الحتمية المؤدية إلى تحقيق النجاح في الدنيا والآخرة, وهي تنبع من داخل النفس لتحررها من عبودية ورق الشبهات والشهوات المحرمات وتصرفها عن دواعي العجز والكسل بكل عزيمة وتصميم وثقة, ومن أعظم وسائل تقوية الإرادة اتباع التالي:

1- الثقة بالله تعالى وحسن الظن به والاستعانة به وتقواه وطاعته والتوكل عليه في كل شؤون الحياة (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه...), واستشعار الثقة بالنفس والقدرة على النجاح وتجاوز كل العوائق والتحديات.

2- تقوية الدوافع الإيمانية والأخلاقية لديك في النجاح والتخلص من الأخطاء والذنوب, فعلى قدر قناعتك بالغاية التي تطلبها في تحصيل طاعة الله ومحبته وجنته ورضوانه, والخوف منه ومن عقابه والحياء منه ورجائه, فإن الإرادة تزداد وتعظم وتسهل دونها كل الرغبات والمطامع والشهوات, فمن خطب الحسناء لم يغله المهر, وقد صح في الحديث: (ألا إن سلعة الله غالية, ألا إن سلعة الله الجنّة).

"على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ ** وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها ** وتصغر في عين العظيم العظائمُ"
"تريدين إدراك المعالي رخيصةً ** ولا بد دون الشهد من إبر النحلِ".

3- ولا شك أن المسلم المتحلي بالعقل والحكمة والصلاح يحرص على أن لا يراه الله تعالى حيث نهاه, ويفتقده حيث أمره, أو يموت ويلقى الله على معصية وإثم, فالمبادرة والمسارعة إلى التوبة الصادقة والنصوح – حفظك الله ووفقك – (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون).

4- أهمية الصحبة الصالحة والطيبة في حياة الإنسان والتأثير على مستوى ومنسوب إيمانه وقناعاته وتحقيق مصالحه الدينية والدنيوية, فالصديق الصالح مهم حيث يذكّرك إذا نسيت وينبهك إذا غفلت ويعلمك إذا جهلت, وهو خير عدّة لأوقات الرخاء والشدة, وقد صح في الحديث : (المرء على دين خليله, فلينظر أحدكم من يخالل).

"الوقت أغلى ما عُنيت بحفظهِ ** وأراه أهون ما عليك يضيعُ".

5- ضرورة الترتيب والتنظيم والتخطيط الصحيح والدقيق للوقت وشغله وتوجيهه بما يعود عليك بالمنفعة والفائدة في المذاكرة وتنمية المواهب والثقافة ومتابعة المحاضرات والدروس والبرامج المفيدة, والقراءة في السيرة النبوية وسير العظماء والصالحين, والتأمل والاعتبار في سِيَر الناجحين, والتأسي والاقتداء بهم.

"فتشبّهوا إن لم تكونوا مثلهم ** إن التشبّه بالكرام فلاحُ"
"إن الشباب والفراغ والجده ** مفسدةٌ للمرء أي مفسدة".

6- عدم اليأس والإحباط والقنوط من النجاح والتوفيق, وضرورة الإلحاح على الله تعالى بالدعاء في استمداد العون والتوفيق منه (أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء), وفي لزوم الطاعات والنوافل وأذكار الصباح والمساء وقراءة القرآن والاستغفار والصلاة على الرسول -صلى الله عليه وسلم-, حيث ويسهم ذلك بلا شك في تقوية وتنمية الإيمان وتحصيل عون وتوفيق الرحمن وطرد وساوس النفس والهوى والشيطان والحرص على تحصيل الجنان والرضوان والبعد عن أسباب غضب الله وعذاب النيران.

أسأل الله تعالى أن يعينك ويقوّي عزيمتك وإرادتك ويعيذك من العجز والكسل والضعف ويحفظك من وساوس النفس والهوى والشيطان, ويثبتنا وإياك على الدين ويهدينا صراطه المستقيم, والله الموفق والمستعان, وهو الهادي إلى سواء السبيل.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً