الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا أجد عملاً ولا أحد يساندني في مشاكلي، أرجو مساعدتكم.

السؤال

السلام عليكم.

بارك الله لكم في حياتكم على ما تفعلونه في هذا الموقع من مساعدة الناس.

عمري 33 سنة، أفشيت سر ذهاب أختي الكبيرة لطبيب نفسي لعمتي وذلك لأنها ألحت علي بالسؤال عن سبب حزني، وندمت لأني أخبرتها بذلك، حيث أنا أهتم بأختي لعدم وجود والدتي ووالدي.

تعرفت قبل سنتين على شخص مريض بمرض ذهاني واكتئاب ثنائي القطب والذي دمر نفسيتي رغم أني قطعت علاقتي به بعد أسبوعين من التعارف، علما أنه ما زال يراسلني ويعتقد أني أحبه، وقد طلبت منه التوقف، أشعر أن الله يعاقبني لأني اعترفت له بمشاعري منذ البداية وذلك لشعوري بالفراغ، وتعبي النفسي بسبب مرض أختي ونظرات الناس لها، وتجنب الزواج من أسرتنا، ثم تراجعت، وهذا جعله يلاحقني بشكل مزعج.

أنا متعبة جدا حتى أنني بقيت بلا عمل بعد الفصل التعسفي للموظفين والذي طالني في عملي، وساءت حالتي المادية، أصبحت لا أخرج، وليس لدي صديقات، حاولت تعلم أشياء مفيدة لكن بلا جدوى، ذهبت لمقابلات عمل كثيرة وبلا فائدة، لأن أغلب الوظائف تشترط أن يكون الموظف تحت الثلاثين.

أشعر بالعجز أحياناً، لكن يعلم الله أني أحاول جاهدة تغيير نفسي لكني أفشل، أصبحت أبكي حين يناقشني أحد في الموضوع، وأرفض الاختلاط بالناس في المناسبات والأفراح، وأخشى أن تلفت تصرفات أختي انتباه الحضور، فكيف أصبح أقوى وأفضل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:

- ينبغي أن تكوني على يقين أن ما ينزل بالإنسان من بلاء إنما هو بقضاء وقدر من الله تعالى فالفقر والمرض والحزن والفرح والعجز والفطنة كل ذلك يسير وفق قضاء الله وقدره يقول تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) ولما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة.

- الرضا بقضاء الله وقدره جزء من الإيمان فينبغي على المؤمن أن يرضى بذلك ولا يتسخط، واعلمي أن الله إذا أحب عبدا ابتلاه ففي الحديث: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ) فعليك أن ترضي بقضاء الله وقدره وحذار أن تتسخطي وإلا فالجزاء من جنس العمل.

- البلاء ينزل بالعبد بحسب إيمانه فكلما كان إيمانه قويا كان بلاؤه أشد، ولقد سأل سَعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: (الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ).
المؤمن يتقلب بين أجري الشكر والصبر يقول عليه الصلاة والسلام: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك إلا للمؤمن).

- على المؤمن أن يعمل بالأسباب فالعمل بالسبب لا ينافي التوكل وما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله يقول عليه الصلاة والسلام: (ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله ألا فتداووا عباد الله) فاستمري في معالجة أختك.

- عليك أن تشكي بثك وحزنك إلى الله مولاك فالتجئي إليه سبحانه فمقاليد الأمور بيده وهو الشافي والمعافي، كما أنصحك أن تذهبي إلى بيت الله الحرام لأداء العمرة والدعاء بالشفاء وبما تريدين من خيري الدنيا والآخرة فالله تعالى كما جعل المال قياما لمصالح الناس الدنيوية فقال: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا) فقد جعل البيت الحرام قياما للناس لمصالحهم الدنيوية والأخروية فقال سبحانه: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ) فاعقدي العزم وكوني على يقين بأن الله لن يرد يديك صفرا فكم من حاجة قضيت للناس في بيت الله الحرام.

- مارسي حياتك بشكل اعتيادي ولا تنعزلي عن الناس فإن العزلة ستزيد من حالتك ولن تكون علاجا.

- كوني على يقين أن رزقك من الزواج سيأتيك -بإذن الله- فلا تيأسي من رحمة الله فكم من امرأة تزوجت وهي في سن أكبر من سنك.

- أنصحك أن تلتحقي بمدرسة لتحفيظ القرآن الكريم ففيها ستجدين الصديقات الصالحات، وتحفظين ما تيسر من كتاب الله، ويتقوى إيمانك، ولعل الله يجعل بعض النساء هنالك سببا في زواجك.

- الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أسباب تفريج الهموم يقول عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).

- وثقي صلتك بالله بشكل أكبر واجتهدي في تقوية إيمانك من خلال كثرة الأعمال الصالحة فذلك من أعظم أسباب جلب الحياة الطيبة يقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

- أكثري من تلاوة القرآن الكريم واستماعه وحافظي على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك يقول تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

- تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة وتحيني أوقات الإجابة وخاصة ما بين الأذان والإقامة والثلث الأخير من الليل وأكثري من دعاء ذي النون فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يشفي أختك وأن يرزقكما بالأزواج الصالحين إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً