الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبحت درجاتي متدنية بعد أن كنت المتفوقة على الجميع، أرجو التوجيه.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بداية: أشكركم على هذا الموقع، ولجأت لكم لعلكم تنقذونني من بحر اليأس الغارقة فيه.

أنا طالبة طب في سنتي الثالثة والحمدلله، اعتدت أن أكون دوما من المتفوقين في أيام المدرسة، وقد أتم الله نعمه علي بأن أتصدر لائحة شرف المتفوقين في هذا التخصص. فرح الجميع معي ومنهم من لم يصدق ذلك إلى أن أرسلت إثباتا لهم بكشف علاماتي.

المشكلة تكمن أنني أصبحت تماما عكس ذلك، علاماتي جدا متدنية ولا تمت لي بصلة، على الرغم من أنني أذاكر كل مادة ما يناسبها بأسلوبها، وأعرف كيف هي عاداتي الدراسية التي تناسب تخصصي، حقا لا أدري ما السبب وراء هذا الفشل الذريع الذي وصلت إليه، أصبحت أتمنى الموت على أن أرى مستقبلي يضيع هكذا أمام أعيني!

حاولت قدر المستطاع أن أراجع حساباتي مع الله من طاعات وما أقترفت من معاصي، أكثرت من طاعات السر، وأجاهد نفسي على تجنب كل ما يؤدي لمعصية، أصبح الجميع ومن هم أقل مستوى دراسي مني يحققون أعلى الدرجات، وأنا أدناها، لا أخفي عليكم أنني أشعر بنقص في التركيز وسرعة الحفظ عما كنت عليه سابقا، لكني لا أكترث لذلك فالجهد يتغلب على هذا كله، والمشكلة أنني لا ألقى نتيجة جهدي.

وأستبعد أن يكون حسد أو عين، فأنا أواظب على أذكار الصباح والمساء دائما، وأقرأ القرآن يوميا لو صفحة.

لا أعلم أهو غضب من الله علي أم ماذا؟ وليست المشكلة في الحافز، فأنا دائما ما أحفز نفسي وأهلي يفعلون ذلك دائما، كما وأنني أجاهد نفسي على صفاء نيتي تجاه جميع زملائي، وأدعو لهم جميعا كي لا يكون في قلبي عليهم شيئا من قوة المنافسة بيننا.

أرجوكم ساعدوني، فقد انفطر قلبي ولا أريد أن تتكرر هذه العلامات في امتحاناتي القادمة.

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ راية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك – أختي العزيزة – وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع، وأبارك لك التزامك بدينك وثقتك بربك ونفسك وحرصك على رفع مستواك الدراسي، سائلاً الله تعالى أن يفرج همك ويرزقك التوفيق والسداد والتميُّز والنجاح.

- بخصوص مشكلتك – حفظك الله ووفقك – في (تدنّي مستواك الدراسي) بعد تفوّق سابق، فمما يسهم في الحل مراجعة الأمور الآتية:

- ضرورة استحضار أن الله قد طبع الحياة الدنيا على الابتلاء، وثواب الصبر على البلاء والشكر على النعماء والإيمان بالقدر والرضا بالقضاء واستحضار الثواب يوم الجزاء.

- ضرورة التأمل والمراجعة والنظر في الأسباب المؤدية لذلك، فكثيراً ما ترتبط مشكلة (ضعف التحصيل الدراسي) بضعف جوانب في (كمال القدرات العقلية) من ضعف الذكاء والقدرة على الاستيعاب، أو بسبب (المشكلات الجسدية) كالإصابة ببعض الأمراض مثلاً، إلا أنك بحمد الله تعالى لا تشكين من هذه الجوانب فيما يظهر، وذلك لما سبق من تفوقك الدراسي الدال على اجتهادك وذكائك، وعدم شكواك من الأمراض سلمك الله.

- وربما عاد السبب إلى بعض اختلال في (كمال الصحة النفسية)، كالشعور بالإحباط والتوتر والقلق والاضطراب والمبالغة في الخوف من الفشل وكلام الناس، وعليه فمن المهم زيادة توفير ثقتك بنفسك، وتقوية إرادتك، وصرف مشاعر الإحباط واليأس، والتحلّي بالأمل في القدرة على النجاح والتميز وتجاوز وتخطي سائر التحديات والضغوط، بالاستعانة بالله والتوكل عليه ولزوم ذكره وشكره وحسن عبادته، قال تعالى: (ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب * ومن يتوكل على الله فهو حسبه..)، وفي الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.. احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) رواه مسلم، ومنه الحذر من آفة المقارنة الجائرة بالطلبة المتفوقين في الدراسة، مراعاة لاختلاف الظروف والفروق الفردية بين الطلبة، وفي الحديث الصحيح: (انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا من هو فوقكم، فهو أجدر ألّا تزدروا نعمة الله عليكم) رواه مسلم.

- وربما عاد السبب إلى بعض (المشكلات الاجتماعية) المتعلقة بالوالدين والأسرة مثلاً، وعليه فمن المهم توفر الاستقرار الأسري وذلك في توفير مناخ وجو المحبة والسلام النفسي.

- وربما عاد السبب إلى اختلال في (متعلقة بالدراسة، ككراهية المادة الدراسية أو التخصص أو المدرسة أو المعلم أو الطلبة أو مناهج التعليم وأسلوب الإدارة والمعلمين)، مما تستدعي الحاجة إلى مراجعة ذلك بتوفير أسباب التشجيع والحوافز المادية والنفسية والمعنوية، وإعداد برامج وخطط وأساليب صالحة ومناسبة، مما ينبغي لأجله اعتماد أساليب التكرار والمراجعة والمادة والواجبات الدراسية مع ربط مادة الدراسة بالواقع العملي، وذلك باستخدام ما يمكن من الوسائل الحديثة، أو تغيير جوانب الضعف في أفكارك وسلوكياتك وأسلوب مذاكرتك، وذلك في التحسين من تحصيلك العلمي بالتشاور مع الاختصاصيين في هذا الباب من المدرسين وغيرهم، أو المتميزين من الأصدقاء من الطلبة الموثوقين المؤتمنين.

- ولا أخفي إعجابي هنا – أختي الفاضلة – بقولك إن (بذل المزيد من الاجتهاد يسهم في التغلّب على مشكلتك الكائنة في النقص في التركيز وسرعة الحفظ)، حيث قال تعالى : (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبلنا وإن الله لمع المحسنين).

- اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء، متحيّنة أوقات الإجابة، والتماس دعاء الوالدين (أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء).

- والخلاصة، فإني أوصيك في سبيل تحصيل عون وتوفيق الرحمن، وتعميق الثقة بالله بالإيمان بالقضاء والقدر واستحضار سنّة الابتلاء، ثم تعزيز الثقة بالنفس بإمكانية استعادة التميّز والنجاح، وتحصيل الراحة النفسية والاطمئنان، وصرف أسباب الضعف والخذلان، بلزوم الدعاء والطاعة والذكر والصحبة الصالحة وبذل المزيد من الاجتهاد ومراجعة أسلوب المذاكرة والحفظ، والتخفيف عن الضغوط بإعطاء النفس حقها من الراحة المشروعة.

- أسأل الله تعالى أن يفرّج همّك ويشرح صدرك وييسر أمرك ويرزقك التوفيق والسداد ويلهمك الصواب والرشاد، والله الموفق والمستعان، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً