الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تراودني وساوس كثيرة تشعرني بأنني غريب عن الآخرين، كيف أتخلص منها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب عمري 22 سنة، حديث التخرج من الجامعة، أتمنى ألا تحولوا استشارتي لفتاوى واستشارات أخرى، لأنني قرأت معظم الاستشارات ولم أستفد الكثير، وقد تبدو رسالتي طويلة، لكنني أود أن أعيش بصورة طبيعية، فأرجو منكم سعة البال لأنني لم أتحدث بشكل واف في رسالتي السابقة:

1- الوساوس بدأت منذ أربعة أعوام، تستمر في الدائرة ذاتها، فكلما قاومت شيئاً ظهر لي شيء آخر، بدءا من الوضوء، ثم الصلاة والغسل، ثم الخوف الشديد من الموت مؤخراً، خف هذا الشعور بقراءة القرآن وقيام الليل أحياناً، ثم تطور الأمر إلى الشك في الله -عز وجل- والعقيدة، وهذا أكثر وسواس يؤلم قلبي، أتألم عندما أفكر في ديني وعقيدتي، حتى عند قراءة القرأن، بل أخطىء كثيراً، لكنني توقفت عن الكثير من المعاصي بنية التوبة منها تماماً، كالعادة السرية، وتعاطي المخدرات، مع العلم أن الوساوس زادت معي بعد ترك الإدمان على هذه الأشياء.

كلما حاولت أن أقترب من الله، وأواظب على الصلاة في المسجد تزداد تلك الوساوس، وتارة تشعرني بأنني منافق، وأحيانا أشعر أنني مشرك أو كافر، وأشعر أحياناً بالوهم أو الجنون، أو أنني في حلم.

لدي وساوس منذ الصغر، فعندما أسير أشعر بأن الناس تراقبني حتى الآن، وأتعثر في مشيتي أحياناً، مما يجعلني أتوتر، والداي لا يتفهمون حالتي، ويعتقدون فقط بأنني مكتئب أو مسحور، حاولت أن أشرح لهم بأنني أريد زيارة طبيب نفسي لكنهم رافضين للفكرة، وهذا ما يغضبني، لأنهم لا يتفهمون الألم الذي بداخلي، وأتألم لأنني أعلم أن رضاهم يعني رضا الله -عز وجل-.

2- أشعر وكأنني لست أنا أحياناً، ولا أدري كيف أشرح ذلك، ولا أدري إن كان ما كتبته له علاقة بمعاناتي من ضعف ثقتي بنفسي منذ الطفولة، وشعوري بالدنيوية بسبب معاملة بعض أصدقائي لي بعنصرية، وشعوري بأنين قبيح، وهذا لا يهمني بقدر ما يهمني أن أتخلص من وساوسي، وأكون طبيعياً مثل الآخرين، -والله لا أستطيع شرح الكثير، لأن ما بداخلي لا تكفيه مقالة واحدة-.

3- منذ فترة طويلة عندما أخرج لمكان بعيد من المنزل أتوتر وأصاب بهلع خفيف وقلق، زاد هذا الشعور في الفترة الأخيرة، وأشعر بأنني غريب في تصرفاتي وأسلوب حياتي عن باقي الشباب.

4- أرجوكم أخبروني بصراحة وفي أسرع وقت إذا كنت مجنوناً أو مريضاً أو متوهماً، وأنا على استعداد لتقبل كل ما تقولونه.

شكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Ammar حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فجوهر الوسواس القهري هو فكرة تتسلل إلى عقل الإنسان، تكرر، يحاول الإنسان مقاومتها ولا يستطيع، والفكرة قد تتخذ أشكالاً وصورًا متعددة، وقد تتغيَّر من وقتٍ لآخر، ولكن يبقى الوسواس هو الوسواس، وهذا ما حصل ويحصل معك، فتغيُّر الوسواس من الغسل إلى الطهارة إلى العقيدة إلى النظافة، هذا لا يُغيِّر من تشخيص الوسواس كمرض، ومشكلته الأساسية واحدة: التكرار المزعج، الأفكار المتكررة التي يراها الشخص سخيفة وأحيانًا عندما تكون في العقيدة يتضايق منها الإنسان كثيرًا، ولكنه لا يستطيع مقاومتها، وهذا ما يحصل معك بالضبط.

أمَّا إحساسك بأنك متغيِّر وأنك شخص آخر: فهذه كلها أعراض قلق وتوتر، وهذه قد تُصاحب الاضطراب الوسواس القهري، وأيضًا نوبات الهلع من أعراض القلق، وتجعل الشخص لا يُحب الخروج من المنزل، خوفًا من أن تحصل له نوبة هلع ولا يجد مَن يُسعفه ويستنجد به في الخارج.

للأسف الشديد -أخي الكريم- الأشخاص الذي يُعانون من الوسواس القهري يُعانون في داخلهم، لأن الفكرة كلها داخل الشخص، وقد تمرُّ فترات طويلة ولا يدري به أحد، ولذلك الناس لا يستطيعون تمييز مقدار المعاناة التي يُعانيها الشخص الذي يُعاني من الوسواس القهري، وهذا ما يحصل مع والديك وكثير من الناس، فهم لا يُشاهدون ولا يرون إلَّا قالبك (جسمك) وخارجك، ولا ينظرون إلَّا إلى مظهرك الخارجي، ولذلك لا يقتنعون أنك تُعاني وتحتاج إلى طبيب نفسي، ونسأل الله أن تستطيع إقناعهم في هذا الشيء.

أنت -يا أخي الكريم- مريض بالوسواس القهري لا شك في ذلك، وليس هناك شيء آخر، وهذا مرض نفسي معروف، وله علاجات، إمَّا أن تكون دوائية، وإمَّا أن تكون علاجًا نفسيًا، علاجًا سلوكيًا معرفيًا، ومن الأدوية الفعّالة في علاج الوسواس القهري هو ما يُعرف بدواء الـ (فافرين)، يأتي في شكل حبوب فئة خمسين مليجرامًا، يمكن أن تبدأ بنصف حبة -أي خمسة وعشرين مليجرامًا- ليلاً، ثم تُرفع إلى حبة كاملة، ويمكن رفع الجرعة إلى مائة وخمسين أو مائتي مليجرام يوميًا، ومفعوله سوف يأتي بعد شهرين -بإذن الله تعالى-، إذا استطعت الحصول عليه واستعماله طالما لا تستطيع التواصل مع طبيب نفسي، فتناول الدواء قد يُساعدك في التخلص من أعراض الوسواس القهري.

وفقك الله وسدد خطاك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً