الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنا أكره أكثر مما أحب، وأتمنى الموت للجميع، لقد ضاقت بي الحياة

السؤال

هل أنا قاسية؟

أنا فتاة أبلغ من العمر ١٧ سنة، خطر لي هذا السؤال حينما انتبهت إلى أنني أكره أكثر مما أحب، مهما كان من أحبه قريبا من قلبي، إلا أنني أكرهه لأبسط تصرف يغضبني أو يمس كرامتي، لا أكرهه فقط، بل أيضاً أتمنى له الموت! تمنيته للجميع، لأبي الذي أحبه أكثر من أي أحد آخر، كرهته لبضعة كلمات قالها لي بكل هدوء، ربما لن تفهموا لماذا أغضبتني، ولكن هذا ما شعرت به، ولكن أبي قد أكرهه فترة ثم أعود لحبه من أي تصرف آخر تجاهي، بخلاف أمي!

أمي التي أكرهها حتى عندما أضحك بوجهها، لكن لها بقلبي شعور كراهية كبير! أختي أكرهها حقاً، مع العلم أنني حالياً في خصام مع كلا منهما، أكره صديقتي بلا سبب، لا أعلم لماذا؟ مع أنها كانت صديقتي الوحيدة في أيام الإعدادية، الآن لا أطيق وجودها حولي تماماً، كما لا أطيق أمي وأختي!

هل أنا قاسية القلب؟

أنا أحزن على الفقير وأتعاطف معه، وأشعر أن قلبي يعتصر ألماً على كل محتاج، أستطيع أن أرأف لحال الغرباء، ولكن من أكرههم يستحيل أن أرأف لحالهم، وإن ماتوا أمام ناظري! وصل بي الحال إلى أن أرش الماء على عتبات الدرج على أمل أن تمر والدتي فينكسر لها ضلع أو عظم أو تموت وتتهشم، ولا زلت أرغب بهذا الشيء، مع العلم بأنني لا أصلي، أستمع للأغاني كثيرا، أرغب بالتخلي عن هذه العادة، ولكن لا أستطيع!

وقتي بأكمله أقضيه على الانترنت، العالم الذي أحببت من فيه أكثر ممن هم حولي، أرغب بأن أتخلص من هذا الشعور البغيض الذي ينتابني؛ لأنه بات يعكر لي مزاجي جداً، أشعر بأن حياتي كئيبة جداً بين من أكره، وجميلة عندما أنطوي مع نفسي بعيداً عن أصواتهم التي تملأ البيت ببشاعتها!

نفسيتي حالياً جداً سيئة، أشعر بأني أريد أن أحطم كل شيء حولي، هل يمكن لاختلاطي بالناس خارج المنزل أن يهدئ من نفسيتي؟ وما هذا الذي أعاني منه أشعر بأن ما بي مرض نفسي، وأريد منكم مساعدتي إذا سمحتم.

أرجو المساعدة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بادئ ذي بدئ من المؤكد أن الإنسان قد تنتابه مشاعر متباينة ومتعارضة ومتعاكسة ومختلفة، خاصة فيما يتعلق بالحب والكراهية، هذه قد تأتي للإنسان، لكنها يجب أن تكون عابرة، أما إذا أصبحت مهيمنة ومسيطرة ومتصلة ففي هذه الحالة قد تعكس دليلا قاطعا على أن شخصية الإنسان قد يكون فيها شيء من الاعوجاج أو الاضطراب.

الشخصية التي تحمل سمات ما يُعرف بـ (الشخصية الحدّية) أو (الشخصية البيْنيَّة)، وكذلك (الشخصية المضادة للمجتمع) تحملُ الكثيرَ من الأحقاد والكراهية للناس، خاصةً لمن هم أقرباء أو أصدقاء لها.

أنا لا أقول أنك تعانين من هذه العلة أبدًا، لكن وددتُّ أن أضعك في القالب الفكري الصحيح، بأن تكوني حذرة، بأن تُسيطري على هذه الأفكار، أن تُحقِّريها، ألا تقبليها. الله تعالى أعطانا القدرة لأن نتغيَّر فقال: {إن الله لا يغيِّرُ ما بقومٍ حتى يغيِّروا ما بأنفسهم}.

الكلمة القبيحة يجب أن تُستبدل بالكلمة الجميلة، شجرة ثابتة في الأرض وفرعها في السماء وثمارها غير مقطوعة، حسناتها دائمة، يستفيد منها كل إنسان وكل حيوان، يُستفاد من كل جزء فيها، قال تعالى: {ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حينٍ بإذن ربها}.

واعرفي أيتها -الفاضلة الكريمة- أن كل شيء في هذه الدنيا له مقابل، الحب يُقابله الكراهية، الفرح يُقابله الحزن، والشقاء يُقابله السعادة... وهكذا، والإنسان يمكن أن يتخيَّر؛ لأن الأشياء الجميلة تُصنع، والأشياء القبيحة أيضًا تُصنع، فلماذا لا أصنعُ الجميل؟

عيشي مع نفسك بهذه الكيفية من الفكر، ويا حبذا لو ذهبتِ إلى طبيب نفسي ليقوم ببعض الفحوصات النفسية، لأنك تحتاجين لمقاسات الشخصية، هذا فحص مهم جدًّا ومتوفر لدى الأطباء النفسيين والأخصائيين النفسانيين، ومن ثم وعلى ضوء نتيجة الفحص يمكن أن يوجَّه لك المزيد من الإرشاد والتوجيه.

أحزنني كثيرًا أنك لا تُصلين، وهذا أمرٌ محزن، لأن من ضيع الصلاة كان لما سواها أضيع، ولأن الإسلام رأس الأمر، وعموده الصلاة، وتأتي يوم القيامة تقول له (ضيعك الله كما ضيعتني)، وأول ما يُحاسب عليه العبد الصلاة، فمن تركها – كما جاء في الحديث– فقد كفر.

فأمر ترك الصلاة أمرٌ عظيم جدًّا، وأمرٌ مؤلم جدًّا، وقاسٍ على نفسي فعلاً، لكن -أيتها الفاضلة الكريمة– رحمة الله واسعة، فأرجو أن تبدئي في الصلاة، أرجو أن تحافظي على الصلاة، وأولاً يجب أن تمتلكي الفقه والمعرفة الدينية الإسلامية التي تجعلك تُصلِّين الصلاة الصحيحة، الصلاة الخاشعة.

جالسي أحد الصالحات من النساء، اذهبي إلى المراكز الدعوية، إلى مراكز تحفيظ القرآن، اجلسي مع والدتك، اجلسي مع والدك، هذا أمرٌ فظيع وبشع، الصلاة عماد الدين، والصلاة هي أول ما يُحاسب عليها العبد يوم القيامة، فإنْ صلحتْ صلاة الإنسان –هذا إذا كان يُصلي– صلح سائر عمله، والصلاة حافظة، والصلاة تُطمئن النفوس، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (وجعلتْ قُرَّةُ عيني في الصلاة)، وقال لبلال بن رباح رضي الله عنه: (أرحنا بها يا بلال) وليس أرحنا منها.

لا تفوّتي على نفسك هذه الفرصة العظيمة، والحب للآخرين سوف يأتي حبك للصلاة وطاعة الله، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ)، (إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ).

فانْهِضي بنفسك، حرِّري نفسك من عُدوان الظلم –ظلم النفس– وارتقي بنفسك، وارتقي بذاتك، وسوف تجدين أن كل أبواب الخير قد فُتحتْ أمامك -أيتها الابنة الكريمة-.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً