الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتعامل مع عصبية زوجتي؟

السؤال

السلام عليكم

دائما ما تتصل بي زوجتي وتطرح علي سؤالا أو مشكلة وأنا في العمل، ويبدأ صوتها بالارتفاع عبر الهاتف وتحرجني أمام زملائي، حتى يبدأ وجهي بالتكدر ولا أستطيع إيقافها، ثم تتحول المشكلة إلى كثير من الألفاظ النابية جدا بحقي وحق أهلي، كوني لا أقوم بتهدئتها منذ اللحظة الأولى لبدء الاتصال.

تعبت كثيرا، أرجع إلى البيت وأرى بعض الأشياء قد كسرت بسبب غضبها، فأفقد صوابي وأنفجر بها صراخا وأتركها، ثم تبقى هي تطلب كلاما يهدئها ويريحها، وأنا أرى أنه يجب اعتذارها بسبب ما تلفظت به من أنواع الشتائم علي وعلى أهلي، فكيف أتصرف معها؟ أفيدوني.

علما أني متزوج منذ أربع سنوات، ولدي طفلان، وهي تعدني بأن تراعي حقي بين الحين والآخر، ولكنها تخلف وعدها.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حميد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فبخصوص سؤالك – أخي العزيز – فإنه يشتكي كثيرون من الفضلاء -مثلك- ظاهرة (الزوجة العصبية), ذلك أن تقلّب مزاج المرأة وامتلاكها المزاج السيئ بسبب عوامل وراثية أو نتيجة سوء التربية, أو حدّة الضغوط الأسرية من كثرة مهام وأعباء البيت والزوج والأولاد أو الضغوط المادية، خاصة من شكوى المال وطلب الاحتياجات ونحوها, مما يؤثر على طبيعتها النفسية. وقد يصدر عنهن نتيجة ذلك أمور مثل ما ذكرت، حيث تدفعها إلى حدّة النقاش ورفع الصوت وسوء التصرف في كثير من المواقف, أو أكثر من ذلك أحياناً.

وقد تكون هذه الظاهرة متأصلة لديها, وقد تكون طارئة وليست دائمة، كما لو كانت المشكلة مرتبطة بأمرٍ ما أو لمرحلة الحمل أو ما بعد الولادة، وهو أمر أسهل وعلاجه أقرب, والمشكلة في هذه الظاهرة أنها لا تسيء إلى العلاقة الزوجية فحسب، بل كثيراً ما يكون ضحيته الأبناء والله المستعان. بل ربما جلب لها بعض الأمراض النفسية كالقلق والاكتئاب والشعور بالهم والحزن والاضطراب في النوم عافاها الله.

قد تحتاج – أخي وفقك الله – إلى انتهاج بعض الحزم معها فيما شرعه القرآن الكريم في تأديب المرأة الناشز في قوله تعالى : (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن) والنشوز هو تمرد الزوجة وخروجها عن الطاعة, والوعظ هو التذكير بشدّة والهجر لها في المضجع أي بالإعراض عن معاشرتها مع البقاء في فراشها, وأما الضرب فهو اليسير غير المبرح بالسواك ونحوه. ولا ينصح به إلا بقدر الحاجة والأفضل تركه لاسيما مع عدم تناسبه مع الكثير من النساء حيث تكون مفسدته أكثر من مصلحته غالباً. لكن هذا الحكم أصلاً لا يكون إلا بعد التأكد من تعمّدها الإساءة والأذى, إذ الغالب في مثل ما ذكرته أنه ناتج عن تأثرها سلبياً أخلاقياً ونفسياً بالأسرة والبيئة المحيطة بها وسوء التربية لها من الصغر, حيث لا تستطيع فيه المرأة التحكم بالغضب حال الانفعال لمدة معينة ثم سرعان ما تهدأ وتسعى إلى الصلح, الأمر الذي يحتاج معه إلى كثير صبر وحلم وحكمة وتربية من جهتك وذلك باتباع الخطوات التالية :

- الاهتمام بالحوار معها أولاً وتذكيرها بمخالفة فعلها للشرع ولحق الزوج في القوامة وحسن العشرة، كما أمر الله تعالى في قوله : (الرجال قوامون على النساء) ولا أبلغ من قوله صلى الله عليه وسلم : (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها) رواه الترمذي وحسّنه الألباني.

- كذلك يجب تنبيهها إلى الآثار السلبية الناتجة هذه العصبية الانفعالية على العلاقة الزوجية ومصلحة الأبناء, وتنبيهها إلى أن ذلك من الشيطان الرجيم ودعوتها إلى التثبت والتأني والسيطرة على نفسها وأعصابها، والاستعاذة منه حال الغضب كما قال تعالى : (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم).
لذا أوصيك – أخي حفظك الله – بالصبر على هذا البلاء واحتساب ثواب الجزاء يوم اللقاء. وعدم اللجوء إلى الضرب مطلقاً أو الاستعجال في قرار الطلاق ما دام أنه في حدود الاحتمال لدى عقلاء الرجال, ولإمكانية تدارك ومعالجة هذا الخطأ بإذن الله بالتربية الحسنة، ومحاورتها بالحسنى والحكمة لتبيّن أصل وجذور المشكلة وإيجاد نقطة تفاهم وحوار وقواسم مشتركة بينكما.

- تذكر أن هذا الخطأ من زوجتك أمر غلب على طبعها، فهو غير مقصود لأذيتك، بدليل سرعة تراجعها وطلبها لعودة العلاقة الزوجية إلى مجاريها، فهو بالتالي مقبول مقارنة بإيجابيتها الكثيرة، وقد قال الله تعالى : (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا) وقد صح في الحديث : (لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة, إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر).

فعليك بالاجتهاد في تعهد زوجتك – هداها الله وأصلحها – بالنصيحة والموعظة الحسنة والحزم من جهة, ومنحها من جهة أخرى مساحة كبيرة من المحبة والمودة في التعامل معها لاسيما وقت المشكلات والأزمات، بإظهار مدحها لاسيما أمام الأهل وإبداء التغزل والإعجاب بها وتقديم الهدية والابتسام لها والتسلي معها بالخروج إلى المشي والرياضة والنزهة والسياحة معها، والابتعاد عن مواجهة العصبية منها بالعصبية منك إزاءها أو السخرية منها منعاً من تفاقم المشكلات, واحذر أن تظن أن هذا السلوك الحضاري والرقي الأخلاقي منك تنازل عن كرامتك بل هو داخل فيما أمر الله به من العشرة بالمعروف في قوله : (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف). وقد صح في الحديث : (ليس الشديد بالصُرَعة, - وهو الذي يغلب الناس بقوته – إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) رواه البخاري. وعند مسلم من حديث عائشة : (ما كان الرفق في شيء إلا زانه, وما نزع عن شيء إلا شانه).

محاولة معالجة أصل المشكلة لديها إن كانت لضغوط أعباء البيت أو ضغوط مالية أو غيرها, وذلك بمساعدتها في خدمة البيت والنفقة عليها, وإضفاء الجمال على الملابس والأثاث ونحو ذلك مما يعزز ثقتها بك وبنفسها ويخفف الضغوط عليها.

التواصل معها بالحكمة ومدارسة القرآن الكريم والسنّة والسيرة النبوية, والدفع بها في حلقات ودروس العلم النسائية خاصة ما أمكن والمحاضرات والخطب والبرامج العلمية والثقافية النافعة والمفيدة.

- أن تحرص وزوجتك على الإكثار من الذكر وقراءة القرآن ونوافل الصلوات والصدقة وقيام الليل، والإكثار من الدعاء عامة بسؤال الله تعالى التوفيق والسداد والعون والهدى والصواب والرشاد, وبصلاح الزوجة والذرية خاصة, ومن أحسن الدعاء : (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرّة أعين).

أسأل الله تعالى أن يفرّج همك ويكشف غمك ويصلح زوجك ويوفقك إلى ما يحبّه ويرضاه وإلى سعادة الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً