الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تقدم لخطبتي شاب به كل ما أتمنى ولكني أحب غيره، فبماذا تنصحوني؟

السؤال

السلام عليكم.

تزوجت زوجي الأول من نفس مدينتي، لم أكن أحبه، كان أكبر مني بكثير، ولم يكن مظهره يعجبني، ولم يدرس، تزوجته لأني كنت أظنه متدينا بحسب شهادة الناس، بالإضافة إلى إلحاح أمي علي بأن أتزوجه، لكن بعد الزواج اكتشفت بأنه ليس متدينا، وكان يعاملني معاملة سيئة، ويسبني ويشتمني، طلبت الخلع منه بواسطة المحكمة وحصل الطلاق، وكنت لازلت عذراء بعد الطلاق.

بعدما طلقت منه بدأ الناس يأتون لخطبتي، لكن لم يكن من بينهم من يعجبني، ولم أرد أن أقترف نفس الخطأ والزواج برجل لا أحبه، بعدها تعرفت في الجامعة على شاب، أحببنا بعضنا البعض لدرجة كبيرة، وقررنا الزواج عندما يحصل على عمل، لكن للأسف كلما تقدم لمقابلة عمل لا ينجح فيها، وقد مر الآن عام على بحثه عن عمل، والمشكلة هو أن أحد معارف عائلتنا جاء لخطبتي، وفيه كل المواصفات التي كنت أتمناها في الزوج، لكنني أحب ذلك الشاب الآخر حبا كبيرا، ولا أستطيع أن أفارقه أو أتزوج غيره، وهو أيضا متعلق بي لدرجة كبيرة جدا، لكن أمي تصر علي بالزواج من هذا الخاطب، أخبرتها بأنني أحب شابا آخر، لكنها رفضت رفضا تاما زواجي بالشاب الذي أحبه، لأنه ليس من مدينتي، ولأن سكان مدينتي لديهم عادة وهي أنهم يتزوجون فقط من نفس المدينة، ويعتبرون زواج البنت برجل ليس من هذه المدينة جريمة، وتصبح سمعتها وسمعة عائلتها سيئة.

السؤال المطروح هنا هو: هل أرتكب نفس الخطأ وأتزوج بهذا الخاطب الذي تريده أمي زوجا لي، أم أنتظر الشاب الذي أحبه حتى يحصل على عمل ونتزوج، أم أتزوج هذا الشاب ونعيش براتبي في انتظار أن يحصل على عمل؟

علما بأنني موظفة، وقد قالت لي أمي إن كنت أريد الزواج به فلن تحضر زواجي، وستسخط علي، علما بأن هذا الشاب هو حب حياتي الذي طالما حلمت به.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

احمدي الله –أختي الفاضلة– على ما قضاه وقدّره من عظيم ما مررت به من فتنة ومحنة (واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك) متفق عليه.

- احتسبي ثواب هذا البلاء في ميزان حسناتك كما في الحديث (ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه) رواه مسلم.

- وخذي من هذا الابتلاء أبلغ الدروس والعبر وفقكِ الله (فالسعيد من وعظ بغيره, والشقي من وعظ بنفسه), وكفى بهذه التجربة الأليمة من مصالح قد لا تحصلينها إلا بعد المرور بهذه المحنة, فكم من محنة وفتنة أخفت وراءها منحة ونعمة كما قال تعالى : (لا تحسبوه شراً لكم بل هو خيرٌ لكم)، وقال سبحانه: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون).

- الأمر الذي ينبغي أن تستثمريه في اختيارك لشريك الحياة المستقبلي والذي يتوفر فيه صفات (حسن الدين والخلق) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا جاءكم من ترضون بدينه وخلقه فزوجوه, إلا تفعلوا تكن فتنةً في الأرض وفسادٌ كبير)، وقد لمست بنفسك (الفتنة والفساد الكبير) جراء الزواج بالرجل غير المرضي في دينه وخلقه حيث تعرض لكِ بالسب والإساءة, والمتاعب والآلام النفسية, والله المستعان.

- جميل –أختي الفاضلة– أن يقوم أساس اختيارك لزوجك –كما فعلتِ جزاكِ الله خيراً– على أساس الدين حتى قدمتِ ذلك على مزايا (فارق السن الكبير والثقافة وجمال المظهر), إلا أن مكمن الخطأ الذي وقعتِ فيه هو في عدم (التثبت والتبيّن والتحرّي) من صحة تدينه, وذلك بسؤال أكثر من شخص موثوق عارف به ممن يعلمون حقيقة حاله, فما أكثر من يظهرون التديّن زوراً وبهتاناً ونفاقاً وخداعاً (يخادعون الله والذين آمنوا)، وما أكثر من يكونون فعلاً متدينين لكنهم (وفق التديّن المغشوش والمغلوط)، البعيد عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم, كغلاة أهل الأهواء والبدع، أو منتهجي الغلو والتشدد كما قد لا يخفى عليك.

- صحيح أن (الدين) أعظم الصفات المرجحة في اختيار الزوج, إلا أن ذلك لا يمنع من حرصك على توفر الصفات الأخرى كـ(المال والجمال والحسب) أيضاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (تنكح المرأة لأربع , لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها, فاظفر بذات الدين تربت يداك) فالحديث وإن ورد في حق الزوجة الصالحة إلا أن قياس الزوج الصالح عليه صحيح أيضاً, نعم هو يفيد تقديم مزية (الدين) على غيره من المزايا, لكنه يفيد أيضاً أن توفر المزايا الأخرى أمرٌ مطلوبٌ ومستقرٌ في الفطر والطبائع السليمة كما قال أهل العلم, هذا من جهة, كما أن ضم صفة الخلق إلى الدين كما في الحديث السابق (ترضون دينه وخلقه) دليل ضرورة اجتماع وتلازم الأمرين ولابد.

- محبتك حد التعلق الزائد بزميلك في الجامعة، وإيثارك الزواج به على الشخص الآخر يخشى أن يكون قراراً مستعجلاً مبنياً على العواطف وعدم مراعاة مقتضى الشرع والعقل والمصلحة, ذلك أن العلاقة والصداقة العاطفية سواء عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي, أو الزمالة الجامعية قد لا تحقق كمال المعرفة, ولذا فإنها مهما طالت فهي عابرة قد تكذبها التجربة؛ إذ كثيراً ما يتزين الجنسان لبعضهما حتى في فترة الخطوبة, بل وبعد العقد قبل الزواج, بل وبعد الزواج أيضاً في الأشهر الأولى كما هو واقع حال الكثير من الزيجات وللأسف وهو أمر ملموس وطبيعي.

- فالذي أشير عليكِ به : هو طاعة والدتك -حفظها الله- في الزواج بالشاب الآخر الذي ترتضيه أمك لك؛ لما ذكرته من مزايا: كونه من مدينتك, وهي مزية تمكنك من التعرف عليه على الحقيقة أكثر من الآخر, ومن رفض قبول أهلك وبيئتك برجل ليس من مدينتك, بل واعتبار الزواج بمثله جريمة كما ذكرتِ, كما أن (قلّة ذات يده وفقره) من عيوب النكاح, حيث علّق صلى الله عليه وسلم الأمر بالزواج بتوفّر شرط (الباءة), وهي القدرة المالية إضافة إلى البدنية, واعتبره صلى الله عليه وسلم من عيوب النكاح في قوله لفاطمة بنت قيس الأنصارية: (أما معاوية فصعلوك لا مال له), والمراد به: الفقر الزائد, وفي انتظار يسره وتوفر الوظيفة لديه تعلّق فيه مشقة زائدة عليك, مما يوجب عليك مراعاة مفسدة الإساءة إلى سمعة وكرامة أهلك لاسيما مع رفض والدتك له بشدة حد السخط عليك والتهديد برفض الحضور لزواجك به لو تم فعلاً.

ولا شك أن مراعاة هذه المصالح والمقاصد مطلوبٌ شرعاً وعقلاً ؛ شريطة –وهو المهم– أن يكون الشاب الآخر مرضي الدين والخلق أيضا عن معرفة أكيدة منعاً من تكرار التجربة الأليمة السابقة.

- أوصيك –وفقك الله– إلى كثرة الدعاء والاستخارة لله تعالى أن يختار لك ما فيه الخير في دينك ومعاشك وعاقبة أمرك, وأن يلهمك الرشد والصواب والتوفيق والهدى والسداد وسعادة الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً