الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد الزواج بزميلتي ولكنني خائف من المستقبل فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب في كلية الهندسة، تخرجي بعد سنة، في العام الأول في الجامعة لفتت نظري زميلة، أعجبت بخلقها الحسن، وطباعها الإسلامية، وشخصيتها القوية، وغيرها من الصفات التي طالما حلمت أن تتواجد في شريكة حياتي.

ليس لدي علاقات منذ الصغر مع البنات، ولا أي اختلاط، فقد تربيت تربية حسنة -بفضل الله-، وأنا ملتزم إلى حد ما، وأسعى لأن أكون أكثر التزاما، منذ العام الأول شغلت هذه الفتاة جزءا من تفكيري، وأصبح يزداد يوما بعد يوم، منذ الوهلة الأولى رغبت في طلب يدها وخطبتها في آخر عام دراسي.

مشكلتي حينما أخطأت، وهذا الخطأ فتح باب الوساوس التي سيطرت علي طيلة فترة الدراسة بالجامعة، ففي العام الثاني سولت لي نفسي أنه يجب إخبارها بما يدور بداخلي، وأرسلت لها رسالة كان مضمونها أنني أحبها منذ العام الأول، وأريد التقدم لها قبل التخرج، ولن أتحدث معها تماما حتى أتقدم لها، وبالفعل لم أتحدث معها، ورغم يقيني بأنها لن ترد على رسالتي، لا أدري لماذا أرسلت تلك الرسالة، ولكنني قرأت في عينها بأنها أساءت الظن بي، وأنني أذللت نفسي لها، ومع مرور الأيام أصبح الوضع عاديا.

كنت فعلا أفعل ما أخبرتها به، وفي نيتي أن أتقدم لها في العام القادم، وهي تعلم ذلك، ولكنني لا أعرف ردها، مشكلتي مع بعض الوساوس التي تشل تفكيري بقدر كبير، رغم أنني من أسرة بمستوى مادي جيد، وعندي شقة، ولكني أشعر بأنني لا أقدر على أمور الزواج، وعلى كثرة مصاريفه، وحين أتخرج كمهندس سيكون الراتب قليلا، ولن أتمكن من توفير المستوى الاجتماعي الذي تعيشه.

بعد التخرج مرحلة جديدة من حياتي، وبها الكثير من المتاعب لإيجاد فرص العمل، وغيرها من الترتيبات، وأنا أحب الاعتماد على نفسي تماما، فلا يجب أن أتزوج وأبي يساعدني في مصاريف بيتي، أشعر بضرورة الاستقرار المادي أولا، ثم أفكر في قالب الزواج، أشعر بأنني أقحمت نفسي بمشكلة كبيرة ويجب أن أوفي عهدي، ومن الصعب أن أجد مثل هذه الفتاه مرة ثانية، وربما يتأخر بي العمر لأجد مثلها، وأنا أود الزواج في عمر الشباب، كما نصحنا رسولنا الكريم، فذلك يغني عن الفتن، ويحافظ على الدين، ولكن الماديات عائق في بداية حياتي، ولا أريد أن أخسر الفتاة في نفس الوقت، ولما أخبرت أبي وأمي ووافقوا ورحبوا جدا.

مشكلتي في الوساوس وكثرة التفكير في المستقبل، وأعلم أن هذا من سوء الظن بالله، ولا أعلم كيف أتصرف!

أفيدوني، وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فكم هو رائع -أخي الحبيب- أن تكون معاييرك في اختيار الزوجة معايير شرعية، وذلك فيما ذكرت من إعجابك بأخلاقها الحسنة، وطباعها الإسلامية، وشخصيتها القوية, لا سيما مع وجود ما يؤكد ذلك، من خلال عدم ردها على رسالتك.

وكم هو رائع أيضاً أن تكون على دين وحياء وعفة، وتحرص على إكمال دينك بالاستقامة والزواج، ولذلك فإني أنصحك أولاً بالمبادرة إلى الاستخارة، والرجوع إلى كتب الأدعية والأذكار في معرفة كيفيتها، ثم زيادة الاستشارة بمن تثق بمعرفته بها وبأهلها من أهل الأمانة والديانة، ثم إذا ازداد منسوب الطمأنينة في قلبك، فبادر إلى خطبتها طالما وأنك معجبٌ بها، وعلى معرفة تامة بأخلاقها، وطالما أن والديك قد رحبا في زواجك منها، فلا أرى تفويتك لهذه الفرصة الطيبة، والتي قد لا تتكرر، ثم تعض على أصابع الندم، -ولات حين مندم وحين مناص-، وكن كما قال تعالى: {فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين}، وفي توكلك على الله ما يعينك على تحصيل الرزق، كما قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الترمذي وصححه الألباني: (لو أنكم توكلون على الله تعالى حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا -أي جياعاً- وتروح بطاناً).

وأما عذرك بكونك غير مستقر مادياً فهذا أمر طبيعي شأنك شأن غيرك, لا سيما وأنك لم تتوظف بعد, إلا أن كونك في آخر سنة من كلية الهندسة -وفقك الله- من المحفزات لابتداء الخطبة أولاً، وهي من المحفزات أيضاً للمبادرة إلى الاجتهاد في الدراسة، والبحث عن العمل.

والزواج خير معين لصلاح الدنيا والدين في غض البصر، وإعفاف النفس، لا سيما في هذا العصر، حيث انتشار التبرج والسفور ونحوها من الانحرافات الفكرية والأخلاقية.

لذلك فقد صح عنه -صلى الله عليه وسلم- قوله: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغضُ للبصر وأحصن للفرج ...) متفق عليه، واحذر -حفظك الله- من الاسترسال للوساوس والأوهام والمبالغة في الخوف من المستقبل، بإمكانك أن تحول هذه الطاقة النفسية السلبية إلى طاقة إيجابية، وذلك بالثقة بالله، وحسن الظن به، والحذر من المثالية الزائدة في طلب تحسين المعيشة من أول الزواج، فإن هذا غير ممكن، وإنما يكون تحسن الأمور في كل شيء خطوة فخطوة، كما يقال في المثل: "طريق الألف ميل يبدأ بالخطوة الأولى".

المهم الجرأة باقتحام البدايات، والتي يكون بها -بإذن الله- كمال النهايات، كما قال تعالى: {ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين}، وتوكل عليه، واستعن به، يجعل لك فرجاً ومخرجا ومن كل عسر يسرا، كما قال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا}.

والله تعالى قد وعد مبتغي النكاح بالبركة في الرزق والنجاح والفلاح -بإذن الكريم الفتاح سبحانه وتعالى- في قوله: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسعٌ عليم}، كما ثبت عند الترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد وحسنه الألباني قوله -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثةٌ حقٌ على الله عونهم ... وذكر منهم الناكح الذي يريد العفاف)، والمعنى أن الله يعينهم على تحقيق نواياهم الصالحة، فالنكاح طريقٌ لعون الرب تعالى في دفع الفقر، وتحصيل العفة، وقمع الشهوات المحرمات -بإذن الله تعالى-.

هذا وأوصيك باللجوء إلى الله تعالى، بزيادة الذكر، وقراءة القرآن، والطاعة، والدعاء، والاهتمام بدراستك، ولزوم الصحبة الطيبة، والتعلق بالله تعالى وحده، فما خاب عبدٌ سأله وأمله.

أسأل الله تعالى أن يوفقك، ويسددك، ويعينك، ويقوي عزيمتك، ويلهمك رشدك وصوابك، ويسهل أمرك، ويشرح صدرك، ويرزقنا وإياك سعادة الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً