الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من وسواس العلاقة بيني وبين ربي، فكيف الخلاص منه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا على ما تقدمونه ونفع بكم.

أعاني من اكتئاب وقلق شديد لأسباب مختلفة، وأتلقى علاجا دوائيا وسلوكيا، أتحسن معه -بفضل الله- ولكني لا زلت أواجه قلقا دائما حول صلتي بربي، بدأ بتسليمي الكامل لنفسي اللوامة، حتى أصبحت ألوم ذاتي على العمل الصالح، ظنا أنه لن يُقبل لأي سبب لا أعلمه، ظنا أني بذلك سأتمكن من تحقيق الطاعة لله عز وجل على أكمل وجه، ثم أتحسن قليلا، فأظن أن علاقتي بربي أفضل ما يكون، حتى وإن كان خشوعي في الصلاة غير تام، ولا أواظب على وردي اليومي، بل وأحيانا تفوتني صلاة الفجر، وهكذا في دائرة لا تنتهي، أريد أن أضع حدا للوساوس التي كادت تصل بي إلى اليأس.

واليوم أمر بشيء مشابه لا أستطيع أن أحدد كيف أتعامل معه، نذرت منذ فترة صدقة لعلاج المرضى شكرا لله على نعمة العافية والصحة، وكالعادة كنت أخشى عدم القبول لأني أرى أني في نعم لا تحصى ومقصرة، وما أفعله لن يكفي أبدا، ثم اكتشفت -بفضل الله- إصابتي بمرض مزمن مؤلم، وله مضاعفات، وتحدثني نفسي بأنه ابتلاء خير واختبار لثباتي على نذري بالصدقة، وأن الله يقينا يقبل مني، ويريد بي خيرا، ولكن أحيانا أخرى أخشى أن يكون مرضي عقوبة، وأني قد أفقد حتى تيسير الصدقة التي يوفقني إليها الله عز وجل بغير حول مني ولا قوة.

أفيدوني أفادكم الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ am ma sa حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الكريمة- في الشبكة الإسلامية، وردا على استشارتك أقول:
لوم الإنسان لنفسه على التقصير في الطاعة أمر إيجابي؛ لأنه يدفع بها للعمل الصالح، والعبد مكلف بالعمل فحسب، أما القبول فمن الله تعالى ولا يدري أحد من الناس، وليس أنت فقط، هل سيقبل الله منه أم لا، والمهم هو أن يكون العمل صحيحا موافقا للكتاب والسنة، وخالصا لوجه الله تعالى فهذا ما كلفنا الله به.

لا تركزي في ذهنك على قضية الخشوع، فكونك تؤدين الصلاة مثلا على الكيفية التي فعلها رسولنا الكريم -عليه الصلاة والسلام- فسيأتيك الخشوع لا محالة، ثم إن طلب الكمال أمر محال، فهذا الصحابي الجليل عبد الله بن عباس يقول في تفسير (الذين هم عن صلاتهم ساهون) يقول: الحمد لله الذي قال: (عن صلاتهم) ولم يقل: (في صلاتهم) ولو قال ذلك لهلكنا جميعا)، لأنه ما من أحد إلا ويسهو في صلاته لأنه يخرج عن الخشوع والتدبر.

فوات بعض الصلوات كالفجر أمر وارد على كل أحد، فقد فاتت عن وقتها على رسولنا الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- وعلى الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- حين ناموا في الوادي، فما استيقظوا إلا على حر الشمس.

قد ينام الإنسان عن صلاة معينة، وقد ينسى أن يصليها، فمن رحمة الله أنه جعل وقتها متى ذكرها، قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) وقال عليه الصلاة والسلام: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك وتلى الآية السابقة).

علاج الوسواس الناجع في عدم الاسترسال والتحاور معه، وقطع الإصغاء إليه، وذلك بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وأن تظهري قوتك في مواجهته، فإن الضعف يعني انتصار الشيطان عليك، فالشيطان يريد أن يزرع في نفسك أن الله لن يتقبل منك أي طاعة، وإذا كان كذلك فلمَ تصلي ولم تتعبي نفسك، وبالتالي يوصلك إلى قطع كل العبادات.

لا تيأسي بل تفاءلي واثبتي على دينك، وكوني قوية في مواجهة الوسواس الخناس؛ فإنه ضعيف جدا؛ ولذلك يلجأ إلى الوسوسة ولا يستطيع المواجهة.

التزمي بِوِرْدِك ِالقرآني ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وحافظي على أذكار اليوم والليلة، ولا تغفلي عن ذلك، واعملي جميع وسائل التذكير كي لا تنسي.

الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أسباب تفريج الهموم وكشف الكروب، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).

طالما وقد حددت النذر، فيجب عليك الوفاء به؛ لأنه صار واجبا عليك الوفاء به، وأخلصي النية ولا تركزي كما قلنا سابقا على قضية القبول، فإن توفرت في العمل أسباب القبول قبل.

لا تعودي نفسك على النذر، فالنذر ينقل العمل من كونه مباحا إلى واجب، فمثلا صيام يوم الاثنين مشروع، لكن لو نذر الإنسان صيامه صار واجبا، وهكذا القول في الصدقة.

العبد مبتلى في هذه الحياة، فعليه أن يصبر ويرضى بقضاء الله تعالى وقدره، ويعمل بالأسباب المشروعة في التداوي، فما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله.

من يرد الله به خيرا يصب منه، وأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، وكلما اشتد البلاء عظم الأجر، فهذه معاني لا بد أن تكون مستقرة في أنفسنا.

قد ينزل البلاء بالعبد ويكون ابتلاء وامتحانا من الله، كما قال سبحانه: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)، وقد يكون بسبب الذنوب والمعاصي، كما قال سبحانه: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) وفي كل حكمة.

استعيني بالله ولا تعجزي، ومارسي حياتك بشكل طبيعي، واشغلي أوقات فراغك بالأعمال المفيدة، وساعدي والدتك في أعمال المنزل، ولا تقعدي وحدك، ولا تكثري من السهر، وتبادلي الزيارة مع زميلاتك، ولا تكثري من التركيز على حالتك، بل كلما تذكرت حالتك اصرفي ذهنك عن ذلك إلى أمر آخر.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً