الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من أفكار وتصورات جنسية، ما العلاج؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أود في البداية أن أقدم لكم شكري وامتناني على جهودكم الجبارة لمساعدة المحتاجين بغير أجر إلا طلبا لما عند الله سبحانه، فبارك الله فيكم وشكر لكم.

سأبدأ بسرد علتي، أنا أعاني من الوسواس القهري منذ كنت فتاة صغيرة، بدأ الوسواس القهري معي وأنا في سن الثامنة، حيث كان عندي وسواس بالطهارة والصلاة، حيث كنت أعيد الوضوء للصلاة عشرات المرات، وأصلي أكثر من مرة، وأعيد قراءة السور لأني أخشى أنني لم أفعل، ثم ازداد الوسواس قوة وتغيرت طبيعته مع بقاء وسواس الطهارة، ولكن بشكل أخف، فلقد أصابني وسواس في الدين.

كانت تغلبني أفكار كفرية متعلقة بالله وبالقرآن حتى ضاقت علي الأرض وغرقت في دوامة اليأس والخوف، وتمنيت الموت ولم أستطع التخلص من هذه الأفكار حتى تملكتني أفكار من نوع مختلف، فأصبحت أفكر بالأمراض كثيرا، وأنني ولا شك مصابة بمرض خطير ولم أستطع دفع هذه الأفكار أبدا، حتى أني كنت أبكي كثيرا وأتخيل نفسي وأنا أتلقى العلاج الكيماوي، وأنا أرقد على سرير أبيض لا أشعر عليه إلا بالألم والوجع، ولقد كادت نفسي أن تزهق من شدة الحزن، ولا أعلم كيف انتهت هذه الأفكار عن العبث في عقلي.

وما هي إلا فترة ليست ببعيدة من ذلك حتى أصبت باكتئاب شديد ورهاب أثر على حياتي وعلى قدراتي العقلية، فأصبت بالنسيان حتى أنني لأنسى أسماء الأشياء والأدوات المعروفة وغيرها من المصطلحات الشائعة، وأصبحت حتى لا أستطيع وصف الكلام، وكنت أتناول دواء الفافرين، ولقد توقفت عن تناوله منذ قرابة السنتين، ولكن قبل ثلاثة أشهر، بل في الحقيقة منذ وقت أطول بكثير ولكن كانت بشكل أقل وضوحا، سيطرت علي أفكار وتصورات جنسية حتى أنها تأتيني بالمقربين مني، فكل كلمة أو حركة أو تصرف أراه بطريقة جنسية.

فأصبحت لا أحب لأحد لمسي حتى لا أفكر بتلك الطريقة المخزية، وأني لأعجب من نفسي وأنا أتذكر كيف كنت وأنا في سن صغيرة جدا -دون العاشرة- أفكر في تلك الأمور وأتخيل في عقلي ما يتخيله البالغون! ولقد كرهت نفسي وعيشتي، وكيف أنني لست كبفية الناس! بل حتى هذه الأفكار أنها لتلاحقني في أحلامي.

تفكيري تعشعش به هذه الأفكار منذ سنين ولكنها الآن أصبحت تظهر بشكل علني أحيانا، فمثلا أصبحت أرتبك عندما أنظر إلى جزء ظاهرة من امرأة مثلي وأضطرب، وهذا بالتحديد ما ظهرت وازدادت أعراضه خلال الأشهر الماضية!

أعتذر على عدم السرد المتسلسل للوقائع، ولكن حالتي -موضع السؤال- تتلخص في أنني منذ صغري وأنا أفكر بالأمور الجنسية بشكل مبالغ فيه ... أفكار وتصورات جنسية تطرأ على ذهني، حتى أنني لأهز رأسي لأتخلص منها، وأزداد الأمر سوءا عندما أصبحت أضطرب عندما تقع عيني على جزء ظاهر من امرأة!

أشعر أنني لست طاهرة من الداخل بسبب هذه الأفكار القذرة التي تسيطر علي، ولا أعلم هل أنا هكذا أم أن ما بي هو بسبب المرض؟ مع العلم أنني لا أرى ما حرم الله وما أريد أن أكون مثل بقية الناس، ليس بي أفكار شاذة وغريبة، وأني لأكره هذه الأفكار كرها عظيما وأريد التخلص منها.

أرجو إفادتي بتشخيص حالتي، هل ما أعاني منه قديما والآن هو نوع آخر من الوسواس القهري أم ماذا؟ وما العلاج على أي حال؟

أعتذر على عدم ترتيب الأفكار والإطالة، وربما ذكرت بعض التفاصيل التي ربما تكون غير نافعة، وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هند حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأشكرك كثيرًا على ثقتك في هذا الموقع.

رسالتك وجدتْ الاهتمام التام من جانبنا، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا في أن نُجيبك على الوجه الأفضل.

من خلال تدارسي لرسالتك أقول لك نعم أنت تعانين من وساوس قهرية، وهذه الوساوس بدأت عندك في مرحلة الطفولة المتأخرة، وأصبح الوسواس يتقلب ويتشكل ويتلوَّن، وهذه خاصِّية معروفة في الوساوس التي تبدأ في سِنٍّ مبكرة، والوسواس يُؤلم النفس حين يكون محتواه سيئًا ومقزِّزًا، وهذا هو الذي تعانين منه الآن.

إن شاء الله أنتِ طاهرة ونقية، وشابّة صالحة، الوسواس ذو الطابع الجنسي في حالتك ليس دليلاً على أي سوء خُلقٍ أو انحرافٍ، على العكس تمامًا أرى أنك في قِمَّة الخلق، وهذا وسواس وليس أكثر من ذلك، والوساوس دائمًا كثيرًا ما تكون محتوياتها حول أمور حسَّاسة كأمور الدين أو الجنس أو العنف.

الشيء الوحيد الذي أزعجني نسبيًا هو أنك قد تعايشت مع الوساوس لفترة طويلة، نعم أنتِ قمتِ ببعض المحاولات والمجاهدات، وتناولت الفافرين، والوسواس إذا ظلَّ مع الشخص لفترة طويلة قد يحدث نوعًا من القبول التلقائي حتى وإن كان الوسواس مؤلمًا. أنا لا أريد لك هذا، من اليوم تقولين: (هذه وساوس كريهة، وساوس حقيرة، ولن تكون جزءًا من حياتي)، لا بد أن يكون هنالك العزم والقصد الحقيقي لطردها، ثم بعد ذلك تأخذين بسبل العلاج الأخرى، وهي الدواء والتطبيقات السلوكية.

سيكون من الجميل والأفضل لو تواصلتِ مع أخصائية نفسية لتُعدَّ لك الجلسات السلوكية، وإن لم يكن ذلك ممكنًا، فيمكنك أن تُطبقي بعض التمارين أو الحيل السلوكية – كما أُحِبُّ أن أسميها – وهي مفيدة.

أولاً: انظري لهذه الأفكار نظرة تحقير دون مناقشتها، وتصوري أن الفكرة مجسَّدة أمامك، خاطبيها بعد ذلك قائلة (أقف، أقف، أقف)، كرري هذه الكلمة وتخيّلي الوسواس، كرريها حتى تُصابين بشيء من الإجهاد، أو على الأقل مائة مرة، هذا تمرين جيد.

التمارين الآخر هو التنفير، وهذا تمرين بسيط جدًّا، لكنّه مهم وسهل التطبيق، وإذا طُبِّق بصورة ممتازة فوائده عظيمة. فكّري في الفكرة الوسواسية، وفي ذات اللحظة أوقعي على نفسك أي نوع من الألم الجسدي، مثلاً اجلسي أمام الطاولة، وقومي بالضرب على يدك بقوة وشدة على سطح الطاولة. فعالية التمرين تتأتى من الربط ما بين الفكرة الوسواسية وما بين إيقاع الألم، وهذا يجب أن يُكرر عشرين إلى ثلاثين مرة على الأقل بمعدل مرتين إلى ثلاثة في اليوم.

أما الدواء فهو مطلوب في حالتك، وعقار (بروزاك) سيكون هو الأفضل لك، تتناوليه بجرعة كبسولة واحدة في اليوم بعد الأكل لمدة أسبوع، ثم تجعليها كبسولتين في اليوم لمدة شهرٍ، ثم تجعليها ثلاث كبسولات في اليوم، تناولي كبسولة في الصباح وكبسولتين ليلاً، لمدة أربعة أشهر، ثم خفضي الجرعة إلى كبسولتين يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعليها كبسولة واحدة في اليوم لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم كبسولة يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ، ثم توقفي عن تناول الدواء. والبروزاك يُدعم بدواء آخر يعرف باسم (رزبريادون)، بجرعة واحد مليجرام ليلاً لمدة شهرين، ثم توقفي عن تناوله.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مجهول Ali

    الله يشافيك

  • مجهول Ali

    الله يشافيك

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً