الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عصيت الله بعد أن تبت توبة نصوحا وأشعر بعدم القبول، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا كنت أتعاطى الماريجوانا والخمر والكثير من الفواحش، ولكني في الأشهر الماضية هداني الله بفضله، وقد تبت عن الكثير من المعاصي ولم أرتكبها أبداً، وأنا ولأول مرة ملتزم بصلاتي ولم أفوت صلاة واحدة منذ أن هداني الله، وغيرت وصححت الكثير من الأشياء والأنماط السيئة في حياتي والحمد لله، لكن قبل أيام اختلطت بأصدقاء السوء، وكانوا يتعاطون الماريجوانا، وكنت أحاول أن أسيطر على نفسي وأن أمتنع عنها، وأذكر نفسي أنني قد تبت وتحسنت علاقتي مع الله -عز وجل- ولكن بعد مرور الوقت لم أستطع أن أقاوم، وغلبتني نفسي وتعاطيتها لأول مرة منذ أشهر، بحجة أنها ستكون آخر مرة، وبعدها سوف أتوب ولن أفعلها مجددا -بالرغم أني وعدت نفسي وربي أن لا أرتكب هذه المعصية أبداً مهما كانت.

أنا أعلم أن هذه ليست الطريقة السليمة في التصرف، ومشكلتي الآن أنني أشعر بأن علاقتي مع الله تدمرت بسبب فعلي هذا، وأشعر أنني لو تبت لن تكون توبتي صادقة بسبب ما فعلت.

أنا أشعر بالندم ولكن في نفس الوقت أشعر بأن ندمي ليس صادقاً بسبب ما فعلت بعد أن وعدت ربي سبحانه وتعالى بعدم رجوعي إلى هذه المعصية.

أرجو أن تكون الفكرة واضحة لكم، وأن تساعدوني في حيرتي؛ لأنني كنت أشعر برضى وطمأنينة على نفسي، وكانت حالتي النفسية والعاطفية واليومية تتحسن، وأحسست بتوفيق من الله وفرج لكثير من همومي وأحزاني، لكن الآن خوفي الأكبر هو أن نعمة الله علي وتوفيقه ورحمته سوف تنقطع، وأنا لا أريد هذا أبداً.

أتمنى أن يرجع حالي كما هو عندما كنت ملتزماً، لكن الآن نفسي مضطربة جداً ولا أعرف ما أعمل، وأريد أن تقبل صلاتي وأعمالي الصالحة، وأن تكون توبتي نصوحا من جديد.

شكراً، وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فهد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

سأتناول استشارتك من منظورين: من منظور طبي ومن منظورٍ ديني إن شاء الله تعالى.

أما من منظور طبي فبالنسبة لتعاطي الماريجوانا والخمر، فمن أهم الأسس التي ننصح الذين يريدون الإقلاع بعد التوقف هي:
إجراء تحوطات كثيرة لعدم الرجوع، ومن أهم هذه التحوطات التي عادةً نطلبها من كل الذين توقفوا هي:

تجنب الأماكن التي كانوا يتعاطون فيها، وتجنب الأشخاص الذين كانوا يتعاطون معهم، وتجنب الأدوات التي بها يتعاطون، ومحاولة شغل أنفسهم في الأوقات التي كانوا يتعاطون فيها، لأن هذه الأمور الأربعة هي التي تقود إلى الانتكاسة، أي أنهم يرجعون ويتعاطون مرة أخرى، وهذا ما حصل معك يا أخي الكريم.

طالما توقفتَ فيجب عليك أن تقطع صلتك بكل الذين كنت تتعاطى معهم؛ لأن الصاحب ساحب، والمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، ومهما قالوا لك أو سولتْ نفسك بأنك يمكن أن تجلس معهم ولا تتعاطى فهذا غير وارد، أخبرهم بأنك توقفتَ بملء فمك وأنك لن تجلس معهم، ويجب عليك أن تلتزم بهذا التزامًا تامًّا، وهذا هو الخطأ الذي وقعت فيه في المقام الأول، أي أنك جلست مع أُناس يتعاطون، ومن طبيعة مشكلة الإدمان – أو حتى تعاطي هذه المواد – هو أن الإنسان قد ينتكس بعد أن يتوقف من التعاطي مرة أخرى.

لكن هذا ليس نهاية المطاف، فينتكس ويتوقف عن التعاطي، ثم ينتكس ويتوقف، حتى يتوقف نهائيًا بإذن الله.

وهذا ينقلنا إلى المحور الثاني وهو المنظور الديني، ويتمثل في التوبة، وألا يقنط الإنسان من رحمة الله، ولا ييأس من روح الله، قال تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم}، {إن الله يُحب التوابين ويُحب المتطهرين}.

أنا لستُ بعالم دين، ولكن من قراءاتي ومجالستي للمشايخ علمتُ أنه حتى الذي يتوب ثم يرتكب الذنب ثم يتوب ثم يتركب الذنب ثم يتوب، فإن الله تعالى بإذنه تعالى سيقبل توبته، كما ثبت في الحديث: (أذنب عبد ذنبًا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال الله تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي ربي اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي ربي اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء)[متفق عليه]، فمن طبيعة البشر، يتوب ثم يُخطئ ثم يتوب ثم يُخطئ، وهم خير التوابين، كما قال -صلى الله عليه وسلم- : (كل بني آدم خطَّاء) يعني كثير الخطأ وكثير الوقوع في الذنوب، لكن (وخير الخطّائين التوابون).

وذكر هذا الحديث ليس معناه التمادي في الذنب، ولكن معناه يدل على عظمة الله تعالى وسعة رحمته وأنه يقبل توبة العبد ما لم يُغرغر، وأنه ما دام العبد صادق النية في توبته فإن الله يغفر له، وما دام هذا حال العبد دائمًا - رجَّاع وتوّاب ومنيب - فإن الله تعالى يقبل توبته.

المهم هو عدم الإصرار على الذنب، والمهم أيضًا في التوبة شروطها الثلاثة: الإقلاع، والندم، والعزم على عدم العود إلى الذنب، وهذا واضح أنك لم تُصِرّ على الذنب، بل ندمتَ ندمًا كثيرًا.

فهوّن على نفسك – يا أخي الكريم – المهم هو الإقلاع، والتحوّط من عدم الرجوع إلى هذه الأشياء، أي العزم الأكيد على عدم الرجوع.

وللفائدة راجع وسائل الثبات على التوبة: (249423- 246818 - 228333 - 293842 - 2131236).

وفقك الله وسدد خطاك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • أمريكا Sousou biba

    يجب على الانسان أن يجاهد نفسه و يخالف هواه ولا يجب أن يكون فريسة سهلة للشيطان.ان الله يغفر الذنوب جميعا و باب التوبة مفتوح للجميع لكن يجب أن يكون ايماننا قوي حتى لا نضعف أمام ملذات الدنيا الزائلة

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً