الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الخشية من الفشل بسبب الأزمات المالية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أتقدم بكل الشكر والتقدير لأصحاب هذا الموقع وما يقدمونه؟

في البداية دعوني أتحدث عن نفسي قليلا: أنا أنثى أنتمي إلى عائلة ممتازة من ناحية الحالة المادية، والبنت البكر أيضاً، لدي أربعة إخوة غيري: اثنان ذكور، وبنتان، عشت حياتي طبيعية كغيري من بنات جنسي، مررت بمرحلة مراهقة صعبة بعض الشيء، إلا أن والدتي عودتني تحمل مسئولية إخوتي منذ صغري.

أبي مهندس معماري في إحدى شركات البترول الكبرى، ووالدتي مديرة مدرسة، وكلاهما يحبان العلم، ولقد زرعا هذا الشيء فينا؛ فنشأت أطمح بالكثير، وفعلاً أصبحت أحلق من نجاح إلى آخر على مستوى الدراسة طبعاً، إلى أن تخرجت من المرحلة الثانوية، القسم العلمي، بمعدل مرتفع جداً.

كان طموحي أن أدخل إلى كلية الطب، بعد ذلك النجاح أحسست أني أستطيع أن أحلق عالياً، وخيل لي أني أصعد أول السلالم، ولكن حدث غير المتوقع، حيث إنه لم يتم قبولي في كلية الطب نظراً للإجراءات الصعبة الموجودة في الجامعة التي سجلت فيها، حيث إنه لم يتم إلا قبول 60 طالبة من أصل 2000، يقع معدلهم من 90% إلى 99%، أحسست أني فاشلة بمعنى الكلمة، حتى إني أقنعت نفسي أن أسير في طريق الفشل.

قضيت أتعس إجازة صيفية في حياتي، وقلبت منزلي إلى عزاء: لا أضحك، ولا أخرج، ولا أكلم أحداً، ولا أتقبل نصيحة أحد، قضيت تلك الإجازة ما بين النوم والإنترنت، وما زاد همي هو رفض أهلي أن أدرس في مدينة أخرى غير التي نعيش بها بحكم أني بنت، والبنت من العيب أن تطلع من بيت أبيها.

أحسست أن كل المبادئ التي زرعوها فينا تتداعى بحكم أني أنثى فقط، وتحت ضغط والدتي دخلت كلية العلوم ـ تخصص علم حيوان ـ، وأنا أعلم أن هذا بداية الطريق إلى الهاوية بالنسبة لي، فهذه الكلية عندنا لا تتسم بأي علامة من علامات التدريس الجامعي، لا مبنى، ولا طالبات، ولا أقسام مطلوبة، ووصلت إلى حالة اكتفاء وتشبع.

كنت أتصبر وأقول في نفسي أنها أفضل من الجلوس في المنزل، ولكنني اكتشفت العكس تماما، فلم أستطع أن أتأقلم مع أجواء الكلية، في كل مرة أعود فيها من الكلية أبدأ بالبكاء والنياح، مرة أقابل بالنصيحة، ومرات بالتوبيخ، ومرات لا أرى أي ردة فعل من أهلي، عشت هكذا مدة شهرين ولم أفتح كتابا؛ لأني دائماً أحس أن الدنيا تدور، ولا يمكنني مسايرتها، فمهما حاولت لا أدرك شيئا.

وعند قرب الاختبارات أحسست بضعف شديد، وأحسست بأني سأفشل جدا، حتى حدث ذلك اليوم عندما قررت فيها ألا أذهب إلى الكلية، وعندما بدأت والدتي بإغراءاتها التي دائماً ما تزول، أخذت أصرخ بكلمات لا أدري ما هيه، أحسست أن علي الكلام وبصوت عال، ثم بدأت حالة بكاء، ودخلت في حالة هستريا، ليدخل والدي إلى غرفتي ويرى المنظر، ولكنه بدل أن يهدئني قام بالاستهزاء مني، قال: "ألا تريدين أن تصيري دكتورة، خلاص، صيري دكتورة حيوانات!" عندها أحسست أن حلمي بخطر، وأنهم يستهزئون منه، فما كان بيدي إلا أن أدافع عنه، وأسكت والدي، ولا أخفي عنكم كم ندمت بعدها.

وفعلاً لم أذهب إلى الكلية، حتى ذلك اليوم الذي جاءتني فيه والدتي، وأخذت تتكلم عن الزواج وما إلى ذلك، فلما سألتها لماذا تتكلمين بهذه الطريقة؟ قالت لي أنها سوف تسجلني في كلية الطب الموازي (دراسة الطب مقابل رسوم)، لا أخفي عنكم كم فرحت، ووافقت على كل شروطها، حتى إنها قالت أنها لا تتوقع مني أن أكمل الدراسة؛ لأن شخصيتي متوترة، وسوف أفكر أني أرهق أهلي ماديا، وأني سأفشل، وما إلى ذلك، ولكن روح التحدي بداخلي جعلني أقنعها بأني سوف أفعل جيداً في الدراسة.

ولكن هذا ما حدث فعلا، إني أحس أني أرهق أسرتي ماديا، وأحس أن رسوم الدراسة غالية، وكلما نمر في أزمة مادية أحس أني أنا سببها، وخصوصاً أن إخوتي يرون ذلك، سؤالي هو: كيف أتخلص من هذا الشعور بالذنب لأكمل دراستي، فأنا أحس أني سأفشل هكذا، وخصوصاً أن التركيز مطلوب، وهذا الأمر يفقدني تركيزي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ريما حفظها الله!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فنسأل الله أن يقدر لك الخير ويسدد خطاك، ويلهمنا جميعاً رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا.

فإن الإنسان إذا رضي بقضاء الله وقدره سعد وارتاح، ولن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله، والإنسان عليه أن يسعى وليس عليه إدراك النجاح؛ لأن ذلك بيد الله، و(عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إذا أصابته سراء شكر فكان خيراً أو أصابته ضراء صبر فكان خيراً له).

وأرجو أن تستغفري الله وتحرصي على بداية الحياة بأمل جديد، وتذكري أن المعالي ثمنها غالٍ، ولابد دون الشهد من إبر النحل، فالذي يريد أن يدرس ويواصل دراسته ويحقق آماله لابد أن يبذل الجهد والمال، وقبل ذلك يلبس ثوب الرضا بحكم الله، والتوكل على الله.

ولا تشغلي نفسك بمصاريف الدراسة، واعقدي العزم على تعويض أسرتك وإخوانك مستقبلاً، والأموال تجيء وتذهب، ولن يخسر من يصرف الأموال في الدراسة وطلب العلم. وأرجو أن تجتهدي في طاعة الله، فلا فائدة في علم أو دراسة إذا لم تصاحبها التقوى والخوف من الله.

ولا شك أن التخصصات العلمية كلها مطلوبة، وكل ميسر لما خلق له، فلا يجوز لنا أن نسخر من أي تخصص علمي مهما كان، والحياة لا تستقيم إلا بهذا التنوع في التخصصات، فالناس للناس من بدو وحاضرة *** بعض لبعض، وإن لم يشعروا خدم، فنحن نحتاج للخباز والخياط والطبيب والمزارع.

ولابد للأبناء من تحمل تصرفات الوالدين، والحرص على طاعتهم، والإحسان إليهم، واحترام مشاعرهم، وعدم رفع الصوت عليهم؛ لأن الله سبحانه يقول: (( فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا ))[الإسراء:23] والصواب أن تعلني ندمك وتحسنين الاعتذار، وقبل ذلك عليك بالتوبة والاستغفار، وأرجو التماس العذر لوالدك، فإن تصرفاتك جعلته يتكلم بتلك الطريقة، ودائماً الوالد طيب وسوف يقبل اعتذارك ويزداد في حبه لك.

والتوتر لا يفيد ولا يقدم ولا يؤخر فاحرصي على الاستقرار، وخير ما يعينك على ذلك الذكر والطاعة لله، واعلمي أن الهموم عمل سلبي وهمي سبب كثيراً من أمراض العصر، والمؤمن لا ييأس أبداً؛ لأنه يأخذ بالأسباب ويتوكل على الله الوهاب.

أما بالنسبة للأزمات المالية، فلا أظن أن تفكيرك فيها يساعد في حلها، ولكن الذي يخفف من شدتها هو انتظارنا للثمار والنظر للحياة بعيون متفائلة ونفوس واثقة، وقبل كل ذلك الارتباط بالله فإن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه، ورحم الله سلفنا الذين كانوا إذا احتاجوا للمال أو الولد أو القوة استغفروا الله، ولا عجب فإن الله يقول: (( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ))[نوح:10].
والله ولي التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً