الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الزواج سبب لي حالة نفسية وعصبية وأموراً لا أستطيع نسيانها!

السؤال

السلام عليكم

أبلغ من العمر 29 سنة، أعاني من حالة نفسية سيئة جدا، أبكي دائما، ونومي غير مستقر، وأرى الكوابيس، وفي بعض الأوقات أصحو من النوم وأبدأ بالبكاء، حياتي كلها بكاء وحزن، ودائما أميل إلى الوحدة، والخوف من الناس، وأكره نفسي جدا ولا أسعى أبدا لإسعادها، وإذا مرضت لا أذهب إلى الطبيب، فأنا بداخلي ألم فظيع في قلبي والسبب في ذلك أنني تزوجت في سنة (2012) وبعد الزواج اكتشفت أن زوجي مدمن مخدرات -أقراص ومواد أخرى- مما كان تأثيره على حياتنا بالغ الشدة من جميع النواحي.

فقد كان بارعاً في الكذب والتأليف هو وأهله، وكان ضعيفا جنسيا، ولديه مشاكل في الإنجاب، وأتوسل إليه كي يذهب للطبيب ويواظب على العلاج، وأيضا مما غير نفسيتي بعد الزواج كثرة المشاكل، وعدم تحمله المسؤولية في أي شيء، فوالدته هي من كانت تصرف على البيت، وتحاول تهدئتي بالمال مما أثر ذلك على أعصابي، فكنت أصرخ وألطم على وجهي ورأسي حتى أقع على الأرض.

وأصبت بحالة عصيبة في رجلي الشمال وقال لي الطبيب: أصيبت بشد عصبي جامد، وتدهورت معدتي لأنني أعاني من القولون العصبي، ومن كثرة العصيبة أصبت بأكثر من مرة بالتهاب في المعدة والقولون، ومؤخرا أصبحت أعاني من ارتجاع في المريء، وحساسية في الصدر من شرب ما كان يشربه.

ذهبت لطبيبة نفسية خلال فترة الزواج وقالت لي: إنهم لمسوا نقطة ضعفي وهي الانهيار العصبي، وبدأت العلاج بجلسات كلامية فقط؛ لأنها تخشى علي أن أؤذي نفسي من سوء حالتي وتفكيري في الانتحار، فتركتها ولا أدرى لماذا؟ استمررت على هذه الحالة لمدة سنة ونصف، تشكلت وتعددت المشكلات، ووصلت إلى الطلاق ولكن دون جدوى، حتى طلبت الطلاق في شهر 6/2013 وذلك بعد تحققي لشرطهم وهو تنازلي عن كافة حقوقي الشرعية، وإمضائي على ورق يثبت ذلك بشكل رسمي، وإمضائي على قرار بأني غير حامل يوم الطلاق، سمعت منه ومن أهله كلاماً وأفعالاً لا أقدر على نسيانها أبدا.

وبعد الطلاق بأسبوعين اكتشفت أني حامل، فأجهضت الجنين لأنني تعبت في حياتي ولا أريده أن يتعب هو الآخر، وحتى لا أواجههم.

وبعد هذا الإجهاض أصبحت حساسة، وأعاتب نفسي مرة، وأعاتب ربي مرة أخرى أنه جعلني حاملاً في ذلك الوقت، فأنا دعوته خلال السنة والنصف من الزواج ولم يعطني، أنا أكره نفسي، وأكره الارتباط من أي شخص آخر، وأشعر بتأنيب الضمير على ما فعلته في حملي، وقلبي يؤلمني جدا، أنا أصلي -ولله الحمد- ولكن لا أستطيع نسيان أي شيء، فهل أصبحت مريضة نفسية وأحتاج للعلاج؟

آسفة جدا على الإطالة، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ semsema حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكرك على التواصل مع إسلام ويب، نعم الزواج الذي وقعت فيه كان زواجاً غير مرضي؛ لأن العيش مع متعاطي المخدرات يعتبر فيه استحالة خاصة المرأة الصالحة وذات الضمير، والتي تحاول أن تعيش حياة مستقرة يصعب عليها تماماً التكيف والتواؤم مع متعاطي المخدرات، لأن معظم هؤلاء المدمنين بالفعل لديهم سمات المراوغة والكذب، وعدم الأمانة وعدم الانضباط، وذلك بجانب النواقص الأخرى الكثيرة.

الحمد لله هذا الزواج قد انفض وهذا من وجهة نظري إنجاز عظيم بالنسبة لك، ولا أعتقد أن هنالك خسارة الآن، تألمت جداً حين ذكرت أنك قمت بالإجهاض لكن حين قرأت ما أوضحه لك الشيخ عقيل المقطري -حفظه الله- من رأي شرعي صائب هذا أزال ما بي من حيرة وألم نفسي؛ لأن المخرج الشرعي واضح -والحمد لله تعالى على ذلك-، سينتابك شعور بالذنب من وقت لآخر لأن الإجهاض ليس فعلاً سهلاً وإن كان في حالتك كما أوضح الشيخ لا أثم عليك -إن شاء الله تعالى-، لكن الشعور بالذنب سيأتي، وعليك أن تكثري من الاستغفار، وأن تقومي بعمل الخيرات، وأن تسألين الله تعالى أن يكتب لك زوجاً وزواجاً صالحاً وذرية صالحة فيما يأتي من الأيام، هذه هي المعالجات التي أراها في هذه المرحلة.

بالنسبة لوضعك النفسي، نعم هنالك بوادر وسمات اكتئابيه، لكن الحمد لله لا أراه اكتئاباً مغلظاً أو مطبقاً أراه عسر مزاجي مرتبط بظروفك الحياتية والأحداث التي حدثت لك، وبشيء من الصبر والتؤدده والتأمل والتفكير الإيجابي، وبعث الإيجابيات في نفسك، وعمل الصالحات، وأن يكون لك برامج تديرين من خلالها مستقبل أيامك، أعتقد أنك يمكن أن تذهبي لحالة الاستواء النفسي الإيجابي، هذا هو المنهج الذي يجب أن تنتهجينه، ولا تكرري الأخطاء التي حدثت حتى وإن كانت ليست من فعلك جميعاً، إذا إن مساهماتك في الخطأ من حيث اختيارك للزوج قطعاً واضحة ومشهودة، لا تأسي على الماضي أبداً، ولا تخافي من المستقبل، عيشي الحاضر بقوة، وإن شاء الله تعالى تتحسن أحوالك كثيراً.

سيكون من الأفضل والأكمل أن تمري على طبيبتك النفسية مرة أخرى، ومع شيء من المساندة الكلامية لا بأس أن نضيف لذلك محسنات المزاج، وسوف ستكون جيدة جداً، وأنت لا تحتاجين لدواء قوي، ولا تحتاجين لعلاج دوائي لمدة طويلة، أعتقد أن عقاراً مثل بروزاك فلوكستين أو سبرالكس أو زوالفت لمدة ثلاثة إلى أربعة أشهر بجرعة صغيرة -أياً من هذه الأدوية سيكون كافياً بالنسبة لك-.

بارك الله فيك وجزاك الله خيراً، وبالله التوفيق والسداد.
--------------------------
انتهت إجابة د/ محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
وتليها إجابة د/ عقيل المقطري مستشار العلاقات الأسرية والتربوية.
-------------------------

فما أنت فيه ناتج عن التسرع في الزواج والتفكير فيه بعاطفة خالصة دون إعمال للعقل المرتبط بالشرع، وكأنكم لم تتأكدوا من توفر الصفات المطلوب توفرها في شريك الحياة، وأهم ذلك الدين والخلق كما قال نبينا -عليه الصلاة والسلام-: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، فالدين والخلق صفتان متلازمتان لا تنفكان أبدا، وهما صمام أمان للحياة الزوجية السعيدة، وصاحب الدين والخلق إن أحب زوجته أكرمها وإن كرهها سرحها بإحسان.

ما حل بك كان مقدرا عليك من قبل أن تخلقي، وكل أمور الكون تسير وفق قضاء الله وقدره قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء).

يجب على المسلم أن يرضى بقضاء الله وقدره، ولا يحل له أن يتضجر أو يتسخط على القدر، يقول عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ) فيجب عليك أن تستغفري الله على قولك: (وأعاتب ربي مرة أخرى أنه جعلني حاملاً في ذلك الوقت فأنا دعوته خلال السنة والنصف من الزواج ولم يعطني) لأن في هذا الكلام تسخط وعدم رضى.

ما حصل لك كنت أنت وأهلك السبب فيه كما ذكرنا سابقا، ولم يجبركم أحد على الارتباط بذلك الشخص، فلم تسألوا عنه، ولم تتأكدوا من صفاته.

جمهور الفقهاء أن الإجهاض قبل نفخ الروح لا يصل إلى حد الحرمة، وأنت كما ذكرت قد كتبت إقرارا بأنك غير حامل، ولو أبقيت الحمل لطعنوا في شرفك وعفتك، فالحمد لله على كل حال.

لا تجعلي هذا الحادث يؤثر على حياتك، فعيشي بشكل طبيعي، فهذه مشاكل تحدث مع كثير من النساء، ومع هذا يتزوجن وينجبن أطفالاً ويعيشن بسعادة، فالرجال ليسوا سواء، كما أن النساء لسن سواء.

أكثري من الاستغفار، ومن الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فهما من أسباب تفريج الهموم، وكشف الضوائق (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).

وصيتنا لك بتقوى الله تعالى، وتوثيق الصلة به، فحافظي على الفرائض، وأكثري من النوافل تعيشي حياة طيبة كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

أكثري من تلاوة القرآن، وحافظي على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

نسعد كثيرا بتواصلك في حال أن استجد أي جديد في حياتك.

أسأل الله تعالى أن يمن علينا جميعا بالتوبة والاستقامة على دينه، كما أسأله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك في حياتك

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً