الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدي رفض شابا شعرت بالميل نحوه، فكيف أتخلص من هذا الشعور؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة عمري 21 سنة، منذ فترة تقدم لي شاب بمواصفات جيدة، لكنه يعاني من قصر النظر، سمعت أنه لا يستطيع أن يرتدي النظارة، وعندما يريد أن يقرأ كتابا، فإنه يقربه إلى وجهه كثيرا، وأن نظره سيستمر في النقصان إلى عمر 25 سنة، وعمره الآن 26 سنة، ولذلك رفضه أبي وبشدة، ولم يناقشني بشيء، ويراني أبي شيئا كبيرا، وأنني أستحق رجلا أفضل منه.

لا أحب هذه النظرة، فأنا فتاة عادية، ففي مجتمعنا أغلب الفتيات متعلمات، وبعد فترة علمت أن عائلتي تنوي تزويجي من ابن عمي، وأنا لا أريده؛ لأنه لا يتحلى بالصفات المطلوبة، وأبي سيرفض كل الرجال من أجل ابن عمي، وأنا ما زلت أتمنى ذلك الشاب، خصوصا أنني جلست معه في بيتنا وتكلمنا، فشعرت باستلطاف نحوه، صدمت عندما رفضه أبي، وقررت أن لا أكلمه؛ لأنه لم يستمع إلى رأيي، وصرت أراقب حسابات الشاب.

ماذا أفعل لأتخلص من شعوري نحوه، ولا أراقبه؟ أخشى أن أسمع خبر خطبته من غيري وأحزن، وأحيانا أفتح حسابه في الليل، فتنتابني مشاعر سلبية مثل الموت والكآبة، وأخاف، ولا أستطيع النوم.

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سجود حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فجوابا على استشارتك أقول:
-لا تفكري بالزواج بالعاطفة المجردة، ولكن فكري بعقل مرتبط بالشرع، واحرصي أن يكون شريك حياتك صاحب دين وخلق، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، فالدين والخلق صمام أمان للحياة الزوجية المطمئنة، وهما بالنسبة للزوجين كمثل الجناحين للطائر، وصاحب الدين والخلق إن أحب المرأة أكرمها وإن كرهها سرحها بإحسان.

- الزواج رزق من الله يسير وفق قضاء الله وقدره، وهكذا جميع أمور الكون، يقول تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) وقال نبينا -عليه الصلاة والسلام-: (لما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: ما هو كائن إلى يوم القيامة).

- من كان من نصيبك فسوف تتزوجين به وإن وقفت الدنيا في وجهك، ومن ليس من نصيبك فلن تتمكني من الزواج به ولو أنفقت من أجل ذلك كنوز الدنيا.

- طاعة والدك واجبة، فالله تعالى قد قرن طاعتهما وبرهما بتوحيده، قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) وزواجك من هذا الشاب مباح، وإذا تعارض الواجب مع المباح وجب تقديم الواجب، وهو طاعة الوالد، فوالدك من أحرص الناس على مصلحتك وسعادتك، ولا شك أن نظرة الوالد ثاقبة، ولعلك لا تدركينها الآن.

- من الخطأ أن تتركي الحديث مع أبيك، بل ذلك من العقوق الذي قد يعاقبك الله من أجله، فاتقي الله ولا تفعلي ذلك، وإن كان قد حدث فاعتذري من والدك واطلبي رضاه، ورأيك يمكن أن تكتبيه لوالدك برسالة إن رفض الاستماع لكلامك، لكن كوني على يقين أن رأي والدك فيه الخير دائما، لأنه يحبك ولا يكرهك، ويسعى من أجل سعادتك.

- لم تذكري لنا الصفات السلبية التي عند ابن عمك والتي أدت إلى رفضك له، فإن كان ابن عمك صاحب دين وخلق وعنده الاستطاعة على الزواج فلم تعارضين الزواج منه؟ ولم تغضبين والدك؟ فلربما كانت الصفات التي لم تعجبك صفات ثانوية، ويمكن علاجها، وكثير من تلك الصفات تتعدل بعد الزواج، من خلال الممارسة والنصح والتوجيه، ولا يوجد شخص كامل الصفات.

- صلي صلاة الاستخارة قبل أن تتم الخطوبة، وهي ركعتان من دون الفريضة، بحيث يكون قلبك غير ميال لأحد الطرفين (القبول أو الرفض)، ثم ادعي بالدعاء المأثور، وتوكلي على الله، فإن سارت الأمور بيسر وسهولة، فاعلمي أن الله قد اختاره زوجا لك، وإن تعسرت الأمور وأغلقت الأبواب، فاعلمي أن الله قد صرفه عنك، وكوني على يقين أن الله لن يختار لك إلا ما فيه الخير.

- قد تحبين الأمر وفيه شر لك، وقد تكرهين الأمر وفيه الخير الكثير، يقول تعالى: (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، فلعل الله صرف عنك شراً برفض والدك لذلك الشاب.

- كوني مقتنعة وراضية بقضاء الله وقدره، وانسي ذلك الشاب ولا تتبعي حساباته، ولا تعلقي نفسك به، فالله لم يضيق عليك في باب الزواج، بل جعله واسعاً، ولم يجعل الصفات التي أحببتيها فيه حكرا عليه، ثم إن الصفات الحسنة يمكن أن تكتسب من خلال التدريب والممارسة.

- تضرعي إلى الله بالدعاء وأنت ساجدة، وفي أوقات الإجابة، أن يرزقك الله الزوج الصالح الذي يسعدك في هذه الحياة، واجتهدي في أن تكون أسباب استجابة الدعاء متوفرة فيك، فالله قد أمرنا بالدعاء ووعدنا بالاستجابة إن توفرت الأسباب، وانتفت الموانع، قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ).

أسأل الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك في هذه الحياة، ويعطيك من الخير ما تتمنين، إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً