الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تأتيني أفكار تمنعني من التوبة، كيف أتخلص منها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعاني من مشكلة، أنه كلما أردت أن أتوب تأتيني أفكار تقول لي لا تتب الآن، لأنك إذا تبت الآن ستكون قد تبت بسبب ذلك الشخص.

وفي بالي منذ زمن أن أحفظ القرآن الكريم كله، ولكن تأتني أفكار تقول لي لا تحفظ القرآن الآن، لأن فكرة حفظ القرآن أتت لك بسبب مسلسل رأيته في التلفاز، أو ما شابه ذلك من أفكار باطلة، وستذهب إليهم حسنات كثيرة بدون تعب إذا حفظت القرآن، وأفكار أخرى تقول لي: إنك قمت بحسد شخص ما؛ فإن كل حسناتك ذهبت إليه لأنك حسدته.

أتأذى كثيرا من تلك الأفكار، وأشعر بالضيق، كيف أتخلص من تلك الأفكار؟ وهل تلك الأفكار صحيحة؟

ساعدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يُبارك فيك، وأن يجعلك من الصالحين ومن العلماء العاملين والأولياء المقربين، وأن يجعلك سببًا في هداية أهل أمريكا جميعًا، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك؛ فإن الشيطان - لعنه الله - وقف لك بالمرصاد، حاول أن يصرفك عن طاعة الله تعالى فلم يستطع، فبدأ يُشكك في نيتك وفي قصدك وهدفك، وحتى يصل من خلال هذا التشكيك إلى حرمانك من العمل ومنعك منه، وبالتالي إلى تضييع هذه الفرص العظيمة التي من الممكن أن تكون مفيدة لك في دينك ودنياك، ولذلك هذه الأفكار التي وردت في رسالتك كلها غير صحيحة، ولا أساس لها من الصحة، وكلها أفكار شيطانية فاسدة وباطلة، لا تُلق لها بالاً ولا تلتفتْ لها.

النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز) احرص على ما ينفعك، والذي ينفعك هي الأعمال التي وردتْ في رسالتك.

قضية التوبة: ممَّا لا شك فيه أن التوبة تجعلك محبوبًا من الله تعالى، وأن التوبة قد يُبدِّل الله بها سيئاتك حسنات، وأن التوبة تنفيذ لأمر الله جل جلاله، الذي قال: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحًا} والذي قال: {وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تُفلحون} والذي قال: {إن الله يُحب التوابين ويُحب المتطهرين} وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تاب تاب الله عليه) وكذلك أيضًا تجعلك لست من الظالمين، لأن الله تبارك وتعالى قال: {ومَن لم يتب فأولئك هم الظالمون}.

فأنت الآن ظالمٌ لنفسك - ولدي أحمد -، ولذلك عليك بالإسراع بالتوبة، وكلما طلب منك الشيطان شيئًا افعل عكسه، كلما طلب منك شيئًا قم بعمل عكس ما يطلب منك، ولا تعبأ به، ولا تهتمَّ به، وإنما قاوم، لأنه يريد أن يصرفك عن الخير، كذلك حفظ القرآن.

وكون حسناتك تذهب إلى سين أو صاد؛ هذا لا يضرك في شيء، لأنه لو أن أي إنسان علَّمته شيئًا من الخير وفعله كما فعلت أنت، أنت لم ينقص منك شيء، وحسناته تُضاف إلى حسناتك، وستأتيك أيضًا، لأن هذا الذي فعلتَ الأمر بسببه شاء الله تعالى أن يرزقه منك حسنات دون أن تشعر أنت، أو حتى لو شعرت، هو لم يأخذ من رصيدك شيئاً، ولكن الشيطان - لعنه الله - يريد أن يُضيق عليك فرصة الاستفادة من الأعمال الطيبة، أو الاستفادة من الصالحين، ويقول: (سيأخذون منك حسناتك) هم لم يأخذوا منك حسناتك يا ولدي، حسناتهم لهم، وأجرك لك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيء) فلن يأخذوا منك من أجرك شيئا أبدًا.

كونك تفعل فعلاً لأن فلان حثَّك عليه أو أمرك به أو نصحك أو أنك تتأثر بكلامه، هذا ليس فيه حرج أبدًا، ونحن كلنا استفدنا من عمل الصحابة – رضي الله تعالى عنهم - والتابعين وتابعي التابعين، كذلك العلماء أيضًا الذين نقرأ كُتبهم، هم يأخذون حسنات رغمًا عنا، لأن هذه ليست منَّة، ليست منحة منَّا نحن، وإنما هي منحة من الله تبارك وتعالى، وأجرك كامل غير منقوص، ولا يتم انتقاص حسنة واحدة من حسناتك لأن فلان هو الذي فعل وفعل.

ولذلك عليك بالتعجيل بالتوبة والإسراع بها في أسرع وقت ممكن، واعلم أن هذا من فضل الله تبارك وتعالى عليك ورحمة الله بك، كذلك عليك بالبدء في حفظ القرآن في أسرع وقت، ولا تلتفت لهذه الأفكار السلبية التي يحاول الشيطان أن يجعلها في عقلك وفي ذاكرتك، حتى يحول بينك وبين الخير.

تقول: تذهب حسنات كثيرة إلى الناس دون تعب إذا حفظت القرآن وأفكار أخرى، وتقول إنك إذا قمت بحسد شخص ما فإن كل حسناتك تذهب إليهم!

من الذي قال لك بأنك تحسدهم؟ الحسد من الشيطان أيضًا، ولذلك أنت تتمنى الخير للناس، الحسد هو تمني زوال النعمة عن الناس، ولماذا أنت تطلب هذا الكلام؟ الحسد في الخير، بمعنى أنك تتمنى أن تكون مثل هذا الإمام أو هذا الحافظ، هذا جائز شرعًا، أما الحسد في الدنيا فهذا الذي يضر الناس، بمعنى أنك تتمنى أن تكون أغنى الناس، وألا يكون إنسان متميز إلَّا أنت، هذا من عمل الشيطان، ولذلك إذا شعرت فعلاً في قلبك على أحد من المسلمين بشيء من الحسد، ادع الله له، وقل: (اللهم زِدْه، اللهم بارك فيه، تبارك الله وما شاء الله) حتى تُخزي الشيطان، وحتى تّذلَّ الشيطان، وحتى تُثبت له وتبيِّن له أنك تُحب الخير لجميع الناس، عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه).

أسأل الله لك التوفيق والسداد، هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الأردن عبدالله

    هذا مرض يسمى الوسواس القهري ، وعلاجه هو ان تتجاهل الفكرة تماما وتفعل ما تريد ( ان كان عملا صالحا ) ومع الايام سيذهب إن شاء الله
    والله أعلم

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً