الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نفسي دائمة التفكير بالزواج وتتوق إليه لكن هناك معوقات..ماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عمري 26 عامًا، أحفظ القرآن، ومجاز بسند متصل في رواية حفص وشعبة، تخرجت منذ حوالي عامين من أحد الكليات الطبية، ثم التحقت بالخدمة العسكرية، وأنهيتها، ثم سافرت مباشرة، وتوفيت والدتي وأنا في الجيش منذ حوالي سنة وأشهر، ومنذ ساعتها بدأت في الانحراف، معاص السر في مشاهدة ما لا يرضي الله، ثم تكرر هذا الأمر، ويتكرر كل حوالي شهرين.

كل تفكيري منصب في أمر الزواج بكل معانيه، والمشكلة أنني أشعر وكأني أعاني من انفصام في الشخصية، كيف..يا من تحفظ القرآن؟! يا من تصلي تفعل ذلك؟!
مع أني كل مرة أتوب وأعزم ألا أعود، وأزيد من صلاتي ونوافلي وذكري، ولكني أعود وأفعل ما كنت أفعله مرة أخرى.

أنا من النوع المتحفظ شيئًا ما، صارحت أمي بالرغبة في الزواج، أو حتى الخطبة منذ 3 سنوات على الأقل، ولكنهم لم يأخذوا الأمر على محمل الجد، وتوفيت أمي وأنا غير معتاد أن أطلب شيئًا من أبي.

سافرت خارج دولتي بعد أداء الخدمة العسكرية لطلب العمل، ولم أرتبط قبل سفري؛ لأنهم لم يفتحوا لي الباب إلا قبل السفر بـ3 أشهر، أو ما يقرب، مع أن الالتزام بكل الماديات يقع على عاتقي، وكان الوقت قصيرًا، فإما أنا تأخذ أي بنت لتسد الخانة، أو أن تنتظر عند العودة بعد سنة مثلا لتجد شخصًا مناسبًا.

والأمر ما زال يتكرر كما ذكرت، وأشعر بضيق شديد جدًا، مع أنني لا أنتج؛ إذا أن هذا الأمر يسيطر على تفكيري، ويكاد يكون لا يتركني، كما أنني أحترق من داخلي إذا إنني واضع لنفسي أهدافًا واجب عليّ تحقيقها، ولكني لم أحققها، ولم أتزوج.

والمشكلة أني أكف عن التفكير في الأمر، ماذا أفعل؟

أرجوكم أفيدوني، جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبده حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ييسِّر أمرك، وأن يفرِّج كربتك، وأن يغفر ذنبك، وأن يقضي حاجتك، وأن يمُنَّ عليك بزوجةٍ صالحةٍ طيبةٍ مباركةٍ تكون عونًا لك على طاعته ورضاه.

وبخصوص ما ورد برسالتك؛ فإنه مما لا شك فيه أن ما تتعرض له أمرٌ مخجلٌ حقًّا، خاصة مع صاحب القرآن والسند العالي المتصل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحب العبادات والطاعات، وكذلك صاحب المهنة المتميزة والوضع الاجتماعي الرائع غالبًا، فهذا الأمر مزعج جدًّا عندما يرى الإنسان نفسه يتقلب في نعم الله بهذه الصورة ثم يُفاجئ بأن نفسه الأمَّارة بالسوء لا تريد أن تتركه في حاله، ولا تريد أن تُعينه على أن يكون عبدًا صالحًا شاكرًا لأنعم الله التي لا تُعدُّ ولا تُحصى.

هذا أمرٌ مما لا شك فيه يؤدي إلى ألمٍ نفسيٍ شديد وقاتل، خاصة عند الذين ما زالت ضمائرهم حيَّةً ومُستيقظة.

ولذلك أقول لك – أخِي الكريم –: المشكلة حقيقة تكمن في أنك في سِنٍّ تحتاج فيه إلى زوجةٍ تقف معك وتكون بجوارك، وهذه الفترة التي دخلت فيها الآن فترة حرجة، ومن هنا نجد أن الإسلام يعتبرك رجلاً مُنذ البلوغ، وكان من الممكن أن تتزوج مبكرًا لتكون لك الآن أسرة منذ عشر سنوات، بمعنى أنه كان من الممكن أن يكون أبناؤك الآن في سن العاشرة، ولكن الظروف التي يعيشها الناس والعادات والأعراف والتقاليد التي درج عليها الناس جعلتْ هذا الأمر كأنه ليس من الشرع في شيءٍ، رغم أنه جزءٌ لا يتجزأ من دين الله تعالى؛ لأن العبد المستقر نفسيًا سيكون أكثر طاعة وبُعدًا عن الانحرافات والمعاصي.

إلا أن هذا الأمر ليس مُبررًا للوقوع في الحرام، فيجب عليك – أخِي الكريم عبده – فعلاً أن تعيد النظر في موقفك.

أحمدُ الله تعالى أنك تنجح في الحد من هذه المعصية وتقع فيها بين فترات متباعدة، وهذا إن دلَّ على شيءٍ فإنما يدلُّ على أن هناك بذرة خيرٍ قويَّة موجودة في داخلك، وأنك فعلاً تُحاسب نفسك وتؤنبها وتوبخها على هذه المعاصي، إلا أنك في حاجة إلى زيادة الجرعة؛ لأنه يبدو أن الجرعة التي تتعاطاها ليست كافية لكبح جماح هذه النفس الأمَّارة بالسوء، فأنت تحتاج إلى مزيد من الطاعة والعبادة، حتى يغلب خيرك شرّك، وحتى يغلب ملَكك شيطانك، وبذلك ستكون أقلَّ عُرضة للمعاصي.

وحاول البحث والاجتهاد فعلاً عن طريق بعض الأصدقاء أو الأقارب عن زوجةٍ صالحةٍ مناسبةٍ، ومما لا شك فيه قد تجد في محل إقامتك لدى المقيمين من أبناء بلدك والمتعاملين والمراجعين للمستشفى الذي تعمل به، قد تجد هناك خيرًا جاهزًا بجوارك، لا يلزم أن يكون في بلدك، فأعرفُ أن كثيرًا من المقيمين في الخليج يُربُّون أبنائهم تربية فاضلة وتربية حسنة –خاصة في المملكة – من حيث حفظ القرآن وعدم الاختلاط في التعليم، وهذه كلها أمور رائعة، فأعتقد أنك لست في حاجة أن تنتظر حتى تعود إلى بلدك، وإنما حاول أن تبحث في المحيط الذي أنت فيه.

واجتهد – كما ذكرت لك – في زيادة جرعة الطاعة التي لديك، حتى تقلَّ عندك جرعة المعصية، وفي نفس الوقت أيضًا أنت تحتاج إلى أن تُغلق منافذ الشيطان التي يتسرب إليك منها، بالبحث عن هذه العوامل التي تؤدي إلى إضعافك وحاول القضاء عليها، وكن جادًا مع نفسك، كن جادًا مع نفسك وحازمًا معها، لأن التراخي في التعامل مع النفس الأمَّارة بالسوء أمرٌ محزن، وأمرٌ قد يؤدي إلى ذهاب رأس مالك كله وخسارتك خسارة فادحة، فحاول أن تكبح جماح نفسك، المداخل التي يدخل إليك منها الشيطان حاول أن تُغلقها، لا تدخل إلى النت إلا للأشياء الضرورية التي تحتاجها، وحدد هدفك قبل الدخول إليه، حتى لا تذهب يمينًا أو يسارًا فيستفزَّك الشيطان ويضحك عليك ويسوِّل لك فعل المعصية.

عليك بالدعاء والإلحاح على الله تعالى أن يعافيك الله من ذلك، وأن يمُنَّ عليك بزوجةٍ صالحةٍ طيبةٍ مباركةٍ حتى تُحقق أهدافك ورغباتك في الحلال الطيب.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً