الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحتاج إلى نصائح توضح لي المسار الصحيح في علاقتي بزوجي

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

أنا متزوجة منذ ست سنوات من رجل متزوج، ولديه أولاد، ولم يرزقني الله الذرية، وزوجته في دولة وأنا في دولة أخرى، وكان هذا سبب موافقتي على الزواج منه، والمشكلة أنه لا يصرف علي، ويريد أن أرضى بحالي، ولا يوافق أن أعمل، ولا يريد أن يعالجني، ويتساءل عن عدم إنجابي، يريد أن أبقى هكذا، لا عمل لي في الحياة، وعندما أرضى بحالي، يقول: إنني لا أقدر الحياة الزوجية، وأن حياتي فارغة، ليس بها أية مسؤوليات.

الآن أحضر زوجته وأولاده عندي في المنزل، مع العلم أن نصف أثاث المنزل أحضرته معي، لم يشتره هو، ويريد أن يرغمني على هذا الوضع، وأنا لست راضية، والسبب في إحضار زوجته أنه يريد علاجها؛ لأنها تأخرت في الحمل، وهذه المرة الثانية التي يسافر بها من بلد لآخر لكي يعالجها، رغم أنه لم يساعدني -وأنا زوجته أيضا- في معرفة السبب في عدم الإنجاب.

لا أحقد عليها، بالعكس فأنا أدعو لها بالشفاء، لكنني أشعر بالظلم من زوجي، وأصبحت أكرهه جداً، عندي عائلة لكنهم غير مهتمين بحالي، أو بمشاكلي، المهم عندهم أن لا أتطلق لكي لا يتحملوا مسؤوليتي، وأنا أعلم أنني إذا طالبت بالطلاق سيقف أهلي ضدي؛ حتى ولو لجأوا للضرب، المهم أن أتراجع عن الطلاق.

والمشكلة الثانية: أنني في بلد غير بلدي، كيف سأعيش؟ وإلى أين سأذهب إذا انفصلت عن الشخص الذي أعيش معه؟ ولا أتحمل العيش معه، ماذا أفعل: أهرب، أم أنتحر؟ أم ماذا أفعل؟

أنا الآن أقيم عند إحدى أخواتي، وزوجي لا يريد أن يصرف علي، ولا يسأل عني، وكفالتي عليه فلا أستطيع البحث عن عمل، ولا يوجد لدي دخل أصرف منه على نفسي، وهو وزوجته وأولاده يعيشون في بيتي، أرجو الرد سريعاً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك في موقعك "إسلام ويب"، وإنَّا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدِّر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبخصوصِ ما تفضلت بالسُّؤال عنه، فإنَّنا نحبُّ أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولاً: لا بد أن تعلمي ابتداء -أختنا الكريمة- أن الحياة مقرونة بالبلاء، وأن البلاء مراد لذاته حتى يعلم الله الخبيث من الطيب، فالله يبتلينا ليبلونا أينا أحسن عملا، هذا البلاء -أختنا الفاضلة- لا يخلو أحد منه في هذه الحياة، فهي دار كدر وابتلاء، وقد قال الله تعالى: (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)، لا بد إذن من البلاء والفتن حتى يصبر أهل الحق فيرفعهم الله إلى أعلى درجات الجنة.

الشاهد أن تلك طبيعة الحياة مجبولة على الكدر والابتلاء، وأي زعم بأن بيتا خالٍ من المشاكل هو قول نظري لا صلة له بالواقع، فما من بيت إلا وفيه هم أو غم، أو مشاكل من أي نوع:

جبلت على كدر وأنت تريدها ،،، صفواً من الأقدار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها ،،، متطلبٌ في الماء جذوة نار
فالعيش نوم والمنية يقظة ،،، والمرء بينهما خيال سار
وإذا رجوت المستحيل فإنما ،،، تبني الرجاء على شفير هار

ولا يعني هذا -أختنا الفاضلة- أن نرضى بالألم، وأن نستسلم للضرر دون تغيير، لا، أبدا، بل غاية الأمر أن تعلمي أن هذا بلاء، وعليك أن تتعاملي مع البلاء على أنه محنة من خلفها منحة -إن شاء الله-.

ثانياً: يقوي عزمك ويجعلك صلبة -أختنا الكريمة-: الإيمان بالقضاء والقدر وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، بل لن تحصلي على سعادة حياتك إذا لم يترسخ عندك هذا الفهم، يقول أهل العلم: من لم يؤمن بالقدر لم يتهنَ بعيش.

المؤمن -أختنا- يعلم قطعا أن الله لا يريد له إلا الخير، وأن ما هو فيه هو الخير له قطعا، ويؤمن أنه قد يتمني الشر يظنه خيرا ولا يدري، وقد يبتعد عن الخير عمدا وهو لا يعلم، قال تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم}، فكوني على يقين بأن اختيار الله لك هو الأفضل دائما، وهنا سيطمئن قلبك ويستريح، فلا نريدك أن تقلقي أو تضطربي، وقد يكون عين ما تخافين منه هو قلب ما تريدينه، وقد يكون ما تظنينه شراً الآن هو الخير في الغد، وقد تكون تلك النازلة من ورائها الخير الذي لا تعلمينه:

ولرُبٌّ نازلةٍ يضيق بها الفتى * ذرعاً وعند الله منها المخرجُ
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها * فُرجت وكان يظنها لا تُفرجُ

ثالثاً: العقل الآن يقتضى منك -أختنا الكريمة- أن تقارني بين وجود الضررين أيها أشد وأقسى حتى ترفعي به الآخر، ونحن نظن أن الطلاق والحياة في بيت آخر أنت تعلمين طبيعته وطبيعة من فيه، مع عدم وجود أهلك، وعدم وجود مسكن لك عند الطلاق، هو الأشد والأمر والأقسى، ثم عند الطلاق تخسرين كل شيء، الزوج والبيت وبعض من الاستقرار، لكن مع وجودك على ذمة الرجل فلا شك أن لك بيتا، وأن لك حدا أدنى من المعيشة.

إننا ندعوك -أختنا- إلى العودة مرة أخرى إلى بيتك، وعدم عقد مقارنات بينك وبين جارتك، والصبر مع حسن العشرة سيجلب حتما الود ولو بعد حين.

لا شك أن للرجل أخطاء، ونحن لا نوافق عليها، ولا نريدك أن تعيشي مرارتها، لكنه ابتلاء، والهروب منه هروب إلى حياة أقسى، وكل هذه الابتلاءات يمكن أن تعالج لتنتهي أو ليخف ضررها، فمثلا عدم النفقة عليك، يمكنك عن طريق الوسطاء غير المباشرين كشيخ المسجد أن يتحدث عن وجوب نفقة الزوج على زوجته، وحرمة الإضرار بالمرأة، المهم أن تتم المعالجات وأنت في بيتك.

نسأل الله أن يحفظك وأن يرضيك، وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات