الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل هناك حل للخلاص من الوساوس التي تكاد تقتلني وتخرجني من ديني؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ليس لي ملجأ بعد الله سبحانه سواكم، فأرجو أن تغيثوني.

مشكلتي مع الوسواس في العقيدة، بدأ منذ الصغر حين كنت أبلغ من العمر 7 سنوات، وكنت ألجأ إلى أمي لأشاركها الأفكار التي تدور في رأسي، وكانت ردة فعلها الصراخ والضرب، فقد كنت أعاني منها كثيرا وأبكي، ولكن لا أستطيع أن أتذكر كيف انتهت معاناتي في تلك الأيام.

وعندما بلغت 16 من عمري؛ انهالت علي الوساوس من جديد، فصرت أبحث عن أجوبة لأسئلتي، وعندما أعثر على جواب السؤال؛ يأتيني سؤال آخر، وكأنها سلسة لا تنتهي من الأسئلة، وانشغلت بعد ذلك في امتحانات الثانوية العامة.

ولكن منذ سن 18 وحتى الآن وأنا فتاة 21 عاما والوساوس تذهب كلما تركت الصلاة والعبادة؛ وتعود لي حين أرجع إلى ربي، فهل الوسواس في العقيدة أمر ديني متعلق بوساوس الشيطان؟ أم هو مرض عقلي يمكن التداوي منه بالعقاقير؟ فأنا لا رغبة لي في العيش في هذه الدنيا، ودائما أرغب بالموت؛ لأن الحياة بدون ذكر الله متعبة، ومع الذكر والصلاة الوساوس تقتلني.

منذ سنة تقريبا وأنا أتعالج في مستشفى للأمراض النفسية، والطبيب يصف لي دواء منوما، وآخر مضادا للاكتئاب Prozac fluoxetine، فقد أصبحت لا أنام إلا بالعقاقير المنومة، وأنا خائفة من آثارها الجانبية، الأفكار لا تفارقني أبدا حتى إذا غيرت من وضعيتي، أو ركزت في شيء معين فإنها تلازمني.

كنت أدعو الله كثيرا حتى في جوف الليل، ولكن عندما لم ألقَ ردا تراجعت وتركت كل هذا وسئمت من الدعاء، حتى أني لزمت أذكار الصباح والمساء والصلاة لفترة، ولم أشعر بأي تغيير إلا أن الوساوس والمجهود يزيد، ولا أشعر بالفرق إلا إذا ابتعدت عن أمور الدين والصلاة، وحين سألت الطبيب عنها: رد علي بأنه لا شفاء من مرض الوسواس، والعقاقير لتهدئة النفس والتقليل منها لا لقطعها، فهل هذا الكلام صحيح؟

أصبحت أشعر بالخوف كثيرا على أن تذهب الوساوس وتعود مرة أخرى في أي وقت؟ وأصبحت لدي مخاوف على أن تزيد الوساوس وأصل إلى مرحلة أصعب، لا أريد الزواج، ولا إكمال تعليمي، أشعر بأن هناك حرب تدور في جسدي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Aseel حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نعم أنت تعانين من وساوس قهرية، لكن المشكلة الأساسية أن أفكارك سلبية جدًّا، لا أدري من أين أتيت بهذا الفكر السلبي المتعلق بالشفاء، وأنه قد لا يكون ممكنًا، وأنك حين تتقربين إلى ربك تزيد عندك الوساوس، هذه أفكار سلبية، كلها يجب أن تحقريها، وألا تعيريها اهتمامًا.

الوسواس القهري الآن يعالج بنسبة ثمانية إلى تسعين بالمائة، وهذه نسبة عالية جدا، واصلي مع طبيبك، التزمي بتعليماته وإرشاداته.

أهم شيء بالنسبة للوسواس: يجب أن تحقريه تحقيرًا كاملاً، ولا تتبعيه، وقومي بفعل ضده، وفي ذات الوقت يجب أن تُديري وقتك بصورة طيبة حتى لا يكون هنالك فراغ زمني أو فراغ فكري، لأن الوسواس يتصيَّد الناس من خلال الفراغ.

تمارين الاسترخاء نعتبرها مهمة وضرورية جدًّا لعلاج الوسواس القهري، وهنالك أيضًا علاجًا معرفي يعرف باسم (العلاج عن طريق التأمُّل)، هذا يمكن أن يدربك عليه الطبيب النفسي حين تقابليه -إن شاء الله تعالى-.

بالنسبة للعلاج الدوائي: البروزاك ليس فقط علاجًا للاكتئاب، لكنه من أفضل الأدوية التي تعالج الوساوس، فقط الجرعة يجب أن تصل إلى أربعين مليجرامًا في اليوم، أي كبسولتين على الأقل، وبعض الناس يحتاج إلى ثلاث كبسولات، وأعتقد أنه يجب أن تلتزمي بالعلاج الدوائي لمدة سنة على الأقل.

أنت لا تحتاجين لأن تتناولي أدوية منومة، هنالك دواء يعرف باسم (أنفرانيل/ كوإمبرامين) يحسِّن من البروزاك، وهو أيضًا مضاد للوساوس، ويمكن أن تتناوليه بجرعة خمسة وعشرين إلى خمسين مليجرامًا ليلاً لمدة ستة أشهر مثلاً.

شاوري طبيبك في هذا الأمر، وفي ذات الوقت تجنبي النوم النهاري، مارسي بعض التمارين الرياضية التي تناسب الفتاة المسلمة، ولا تتناولي الشاي والقهوة بعد الساعة السادسة مساءً، واحرصي تمامًا على أذكار النوم.

بالنسبة لموضوع أن الوساوس تشتدُّ حين تتقربين إلى الله وتحرصي على العبادات:
قد يكون هذا شيء صحيح، لأن الوساوس تُثار كثيرًا من خلال الحرص على العبادات، لكن هذا لا يعني أبدًا أن نفهم أن هذا الموضوع سيكون ثابتًا، لا، ربما يكون الأمر من الشيطان، لكن الوساوس في جُلِّها هي وساوس طبية، والشيطان يخنس إذا التزم المؤمن بدينه وصلاته وأذكاره.

فيا أيتها الفاضلة الكريمة: الموضوع في جُلِّه موضوع طبي أكثر مما هو خنَّاسيًّا، وموضوع الخناس مقدور عليه، وذلك باتباع ما ورد في شريعتنا السمحة.

أيتها الفاضلة الكريمة: أكملي تعليمك، اجتهدي في دراستك، اسألي الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح، اسعي لأن تتحصلي على أعلى الدرجات، كوني إنسانة فعالة في داخل أسرتك، واسعي في بر والديك، هذا كله علاج سلوكي.

أسأل الله تعالى لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • تونس kenza khlil

    أتمنى االشفاء العاجل لك و لي و لجميع المسلمين

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً