الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قررت تغيير شخصيتي، فأتتني حالة أصبحت لا أعرف نفسي؟

السؤال

السلام عليكم.

أود شكركم على هذا الموقع، وأسأل الله أن تكون أعمالكم الطيبة في ميزان حسناتكم.

أنا أعيش الآن حالة مزرية، لم أعد أتواصل وأكمل حياتي، أصدقائي انقطع تواصلي معهم، ولم أعد أفكر في شيء عدا كيفية وقوع هذا المشكل الذي سأسرده بالتفصيل، وكيفية وجود حل له.

أنا بعمر 22 سنة، وأعمل مدرساً بإحدى المدارس، سأبدأ القصة منذ أول معاناتي مع الاكتئاب، أتاني الاكتئاب -كما وضحت في استشارتي الأولى- عندما بلغت سن 20 عاماً، وتناولت الدواء، وهناك عشت حياة طبيعية لمدة عام تقريباً إلى أن قررت تغيير شخصيتي، وبدأت أتصنع وأفعل ما أظنه سيصلحها ويقويها، إلى أن مرضت، وأصبحت لا أعرف نفسي، وأصبحت أشعر أني شخص صنعته تجاربي، في محاولة تغيير شخصيتي، وصرت ضعيفاً خائفاً مرتبكاً، وأصبحت أخاف من نظرة الآخرين، وأنهم ينظرون إلي على أنني غير عادي ومريض.

ذهبت عند طبيب نفسي لإدراكي أن للشخصية مكونات بيولوجية ووراثية، فأعطاني دواءين (اسيتالوبرام) و(اتيفوكسين) اسمه (stresam) نفعتني الأدوية كثيراً إلى أن خرجت من هذه الحالة، وعدت لطبيعتي، ولكن في فترة الشفاء هذه التي استغرقت عاماً، كنت أزاول عملي، وأعرف ما أفعل، ولي عقلية وأحلل الأمور بطريقة منطقية، وسليم معافى، وبدأت ملاحظتي للآخرين، وكيف أنهم يملكون أصدقاء ورفقة، وركزت بشدة على موضوع الفتيات.

كان هذا كل ما يملأ دماغي، حتى صارت هذه الأشياء أولويات في حياتي، ورغبتها بشدة، واشتريت سيارة؛ لكي أنعم برفقة وظننت أني بهذا سيكون لي رفقة وفتيات، لكن لم أوفق في ذلك، وأدركت أن هذا لا يكمن في امتلاك سيارة، أو شيء كهذا، أدركت أنه يكمن في الشخص نفسه، بعد ذلك ركزت على المظهر.

علما أني نحيف البنية، أردت أن أصبح ذا عضلات لأثير الإعجاب، وأكسب أصدقاء، عندما وضعت هذا المنهج في نفسي، أتت ليلة وهي السبب الآن في ما أعانيه، كنت أفكر في هذا الموضوع، وأقول: لماذا لست مثلهم؟ لماذا لا أملك ما يملكون؟ وأطرح تساؤلات، ومن ثم صممت وقلت: سأصبح مثلهم، ولن أرضى بما كتبه الله لي، بعد هذا التفكير بقليل لا أعرف ما حدث، كأن عقلي توقف، ووساوس، وأتتني أفكار غريبة عند الخلود للنوم في تلك الليلة، وأصحو من الهلع منها، وبقيت هكذا يوماً آخر، كأن عقلي متوقف، ولا أعرف ما منهج تفكيري!

ذهبت لنفس الدكتور وذكرت له المشكلة، فأعطاني نفس تلك الأدوية، وأنا الآن عالق، لا أعرف أي منهج أفكر به، لا أعرف كيف كانت طريقة تفكيري، قرأت القرآن، وصليت لمدة أسبوع، وأحسست براحة، وأني أفهم الواقع بالصورة الصحيحة، وأتراجع ثانية وأقول: هل أنا على صواب؟ وأتخبط.

أنا في حالة لا يعلمها إلا خالق السماوات والأرض، لا أشعر باكتئاب، أشعر بتوقف ذلك النمط الذي كنت أتبعه في تفكيري، ولا أعرف أي طريق أسلك، وأحسست أن ذلك النمط خاطئ، ولم يكن فيه شيء من الصواب، ظننت أن الله يريد أن يهديني، ولكن سرعان ما أجد نفسي تائهاً، لا أعرف كيف أتعامل مع أمور حياتي، وأصدقائي وعملي.

أحيانًا أتخذ قراراً بأن أعمل عملي، وأركز عليه، وأتعامل بعقلانية وأكمل طريقي، وسوف يصحح تفكيري بالاستعانة بالله، ويصحح منهج حياتي، لكن مرة ثانية أجد نفسي تائهًا، ولا أعرف ما الأفكار التي كنت أحكم بها على نفسي، وما الذي أوصلني إلى هذا الحال، وأتيه، ويتوقف تفكيري، وأشعر بالهلع الشديد؛ لخوفي أن أجن، ويضيع كل شيء.

أنا في هذه الدوامة، والخوف يزيد، والضيق يزيد، ولم أعد أتواصل مع صديقي الذي يسكن معي الآن، ولا أصدقائي في النت، ولا أفكر بنهج صحيح، وأحاول أن أبني نفسي من جديد، وأكمل حياتي من نقطة الشفاء الأول من الاكتئاب، ونسيان ما وقع بسبب إرادتي تغيير شخصيتي، والذي أظنه ما دفعني في منهج خاطئ مع شفائي، وأدخلني في عدم التعايش مع الواقع بالصورة الصحيحة، إلى أن وصلت لهذا الحال.

لا أعرف أين أوجه تفكيري، ولا أحس بفرح، جالس في بيتي لا أطيق الخروج، ولا التحدث، لعدم إتيان أفكار تتطاير، ولا أعرف أي منهج أمشي فيه الآن.

أتمنى منكم الرد السريع، وأن أجد حلاً لمشكلتي؛ فإني تائه، وأشعر أني سأجن قريباً، وهذا ما كتبه الله لي، أرجوكم أشيروا عليّ، فلا أعرف ما الحل لمشكلتي؟!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الطبيب الذي تواصلت معه بجانب العلاج الدوائي، لا بد أن يضع لك برامج نفسية سلوكية، أو تحليلية، فأنت في حاجة لهذا النوع من العلاج؛ لأنه من خلال ما ورد في رسالتك أنه بالفعل لديك بعض التقلبات في شخصيتك، ولا أقول: إن لديك سمات الشخصية النرجسية، لكن قطعاً هنالك عدم توافق في أبعاد الشخصية، هذا يجعلك قلقا، يجعلك لا تستطيع أن تحدد الأمور من حيث تحديد الهوية، وتحديد ما تصبو إليه، وكيفية المآلات، وشيء من هذا القبيل، هذا جعلك تكون في وضع وسواسي وغير مستقر.

أيها الفاضل الكريم: أنت تحتاج لعلاج نفسي سلوكي منضبط، تحتاج إلى جلسات متواصلة.

أنا أنصحك: أن تذهب وتقابل الطبيب المختص، وفي ذات الوقت أرى أن الأدوية المضادة لقلق الوساوس، والمحسنة للمزاج سوف تفيدك كثيراً، دواء مثل: (بروزاك) والذي يعرف باسم (فلوكستين) سيكون من الأدوية الممتازة جداً بالنسبة لك، فاذهب إلى الطبيب، ودعه يصف لك هذا الدواء أو أي دواء آخر يراه، وفي ذات الوقت عليك بالعلاج السلوكي المتواصل.

مشكلتك ليست ضخمة من وجهة نظري، وأعتقد أنك يمكن أن تصل إلى درجة ممتازة جداً من التطبع والتكيف مع وضعك، وتقل عنك الترددات والشكوك، وما يمكن أن نسميه التقرب من الذات، أو ما يسمى اضطراب الأنية، توجه إلى طبيبك الذي قابلته أصلاً مرتين.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً