الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بأني خرجت من دائرة الإسلام بتطاولي على الله!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بداية أتمنى منكم تقبل كل ما سأكتبه، لأني بحاجة ماسة جداً جداً للمساعدة.

أولا: أخي كان يتطاول على الله في فترة من حياته، ثم بدأ يصلي ويقرأ القرآن (وهو مريض)، وأنا للأسف بعدها بفترة لا أدري ما أصابني! حيث بدأت بارتكاب العديد من الذنوب من سماع الأغاني، وترك الصلاة، وكرهت الدين بسبب أمي، فعندما كنت صغيرة كانت تأمرني بالصلاة، وإذا رفضت تخبر أبي بذلك، وكنت أقول لها: إن أخي أكبر مني بكثير قبل أن يمرض كان لا يصلي، فلماذا تكون واجبه علي الصلاة؟ فكانت تصمت، وعندما أقول لها كذلك أختي الكبرى لم تصل إلا عند إنجاب طفلها الثاني، وكانت توبخني إن لم أصل، فلماذا الواجب علي أنا فقط؟!

وإذا طلبت مني شيئاً غير الصلاة ورفضت تقول: سوف أخبر أباك بأنك لا تصلين، لأن أبي شديد من ناحية الدين، ثم بدأت للأسف بالتطاول على الله لاعتراضي على ما يحصل في حياتي، وأمي تقوم بسبنا مع أقاربنا وأناس قد بصعوبة نعرفهم، وتقول ما ليس فينا، وعندما نواجهها تنكر وتحلف بأنها لم تقل شيئا.

أخي مريض نفسيا، وقام بطرد أقاربنا من المنزل، وأحرق في البيت، وكان يقوم بضربنا أحيانا إلى أن أصبح الناس تتحاشى بيتنا، وله عدة سنوات لا يصوم رمضان، ويجهر بالإفطار، وأمي لا تقول له شيئا، وأنا عاطلة، فكلما قدمت أوراقي تتعقد أموري بشكل عجيب، وأشعر بأنه لا يوجد لدي أمل بأن حياتي ستتغير، وإن كانت ستتغير فهي تتغير للأسوأ.

قامت أختي بالتردد على منتدى بإشراف شيخ راق، ثم قامت بتطبيق برنامج من رقية وغيره لمدة أسبوع، وذكرت الأعراض للشيخ، ثم قال لها: إن معاناتكم بسبب السحر، ووضع برنامجا يتكون من (قراءه سورة البقرة، الرقية، تناول تمر العجوة، القسط الهندي، الحبة السوداء، واستحمام بالسدر والملح وغيره، مع الدهان بزيت الزيتون، ونحو ذلك) وكان البرنامج مليئاً بمحتويات كثيرة.

وبدأنا فيه، فلاحظت أختي كدمات في جسمها، أما أنا فلم ألحظ شيئا، فقط عند القراءة أشعر بضيق وأريد الانتهاء بسرعة، وبعد مرور ثلاثة أسابيع من البرنامج رأيت رؤيا وفسرتها عند شيخ، (وقال لا يوجد لديكم يقين)، وقمت بإيقاف البرنامج فورا وتركت كل شيء، أما أختي فقد أوقفته بعدي بفترة قصيرة، وعندما رأينا أحوال الناس الذين تغيروا بفضل القراءة والاستغفار أعجبت بها، وكنت في شهر رمضان ألزم الاستغفار فيه بشكل كبير، وأقوم الليل طيلة الشهر، وختمت القرآن لأول مرة في حياتي، ولكن لم يتغير شيء في حياتي، وقررت أنا وأختي البدء في برنامج يتكون من: (الرقية الشرعية الكاملة، وسوره البقرة يوميا)، وأصررت على أختي بأن نستعين على أمورنا بالكتمان، وبدأنا، ولدي ثقة جميلة بأن حياتي ستتغير، وكنت أقنع أخواتي بالقراءة.

أخواتي بدأن فيها وتكاسلن، أما أنا بالرغم مما كنت أمر به من مشاكل، إلا أني كنت مستمرة، وكنت ألاحظ أثناء القراءة تشنجاً وحكة في الجسم، وخاصة في الأنف، وضيقة شديدة، واستمررت ثلاثة أشهر، وأتى تقديم للوظائف، وسعيت بكل ما أوتيت من قوة، وقد كان أخي لا يريدني أن أتم تعليمي أو أتوظف، وكنت أذهب للتقديم بمنطقة بعيدة عني؛ بحيث لا يشعر بي، وأرجع وأختبئ في غرفتي.

والذي يهون علي بأن لدي أملاً بأني سأتوظف، ولكن بعد فترة بسيطة تعقدت أموري بشدة، وهناك فتيات توظفن وهن في بيوتهن، ولم يقمن بالذهاب لتلك المنطقة، فشعرت بيأس شديد، لماذا يحصل لي هكذا، ولم لم يتغير قدري؟ كيف يتغير قدر الإنسان؟ وهل الإنسان يصبح في شقاء مدى حياته؟ وقمت بإيقاف القراءة، وشعرت بنوع من الراحة.

أكره أهلي وأمي، وأشعر بالغضب الشديد تجاههم، وأشعر بالغضب تجاه نفسي أكثر، أريد أن أؤلم نفسي بما اقترفت في حق ربي، أشعر بأني خسرت ديني بتطاولي على الله منذ سنوات، ولا أستطيع مسامحة نفسي، ومهما قمت بالاستغفار والدعاء، وحافظت على الصلاة، يتسرب اليأس إلى قلبي، وأشعر أن الله لن يغفر لي أبداً، وأجد نفسي مُذنبة مهما فعلت، وبما أن شهر رمضان قريب، أُحاول أن أجدد من نفسي، وأريد أن أتوب وأمحو كلما فعلت، ولكن أشعر بأني خرجت من دائرة الإسلام بتطاولي على الله، ماذا أفعل؟ وكيف أدخل الإسلام من جديد؟

أعتذر إن كان كلامي غير مرتب.

أرجوكم ساعدوني..

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع.

وبخصوص ما ورد برسالتك –ابنتي الكريمة الفاضلة–، فالذي يبدو لي منها أن الظروف الأسرية الأولى التي عشتها خاصة تحت ضغوط الوالدة –حفظها الله–، وتحت ضغوط الوالد كذلك ألقت بظلالها على نفسيتك وجعلتك تشعرين بنوع من الضغط النفسي خاصة تجاه الصلاة التي هي أهم أركان الإسلام، مما جعلك تشعرين بنوع من الكراهية وعدم الرضا، بل وصل بك الحال إلى التعرض لذات الملك جل جلاله.

هذه التربية الأولى التي تعرضت لها ألقت بظلالها على نفسيتك، وأدت كذلك إلى عدم الاستقرار النفسي، كما أدت أيضًا في نفس الوقت إلى نوع من التشويش الذهني والفكري بالنسبة لك، وخاصة أيضًا أن ظروف هذا الأخ المريض الذي يفعل تصرفات غير منطقية وغير مقبولة، كذلك أيضًا وجود أختك والتمييز في التعامل من أنك الوحيدة التي تُطالبين بالصلاة وغيرك لا يُطالب بذلك، إلى غير ذلك، هذا كله أحدث نوعًا من التشويش على نفسيتك، مما جعل الشيطان يستغل هذه الفرصة ويتدخل في حياتك لإفساد علاقتك مع الله تبارك وتعالى في المقام الأول، وكذلك إفساد علاقتك مع الأسرة.

ولأن الشيطان –لعنه الله– يجري من ابن آدم مجرى الدم، وكما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يحضر الشيطان أحدكم عند كل شأن من شؤونه)، فهو موجود دائمًا أبدًا في حالة تربص للإنسان، إذا ما وجد أي فرصة للانقضاض عليه ينقضَّ عليه، فيبدأ بشنِّ حرب على ظاهره وباطنه، حرب على القلب والمعتقدات والنفس، كذلك حرب على البدن والجسد الظاهر.

حربه على القلب تُعرف بحرب الشبهات، يُثير شُبهات حول الملك سبحانه وتعالى، وقد يؤدي إلى الجرأة (أحيانًا) على ذات الله تعالى، كما حدث معك في بعض الأحايين.

وحربه الثانية حرب الشهوات، بمعنى أنه يزيِّن للإنسان فعل المعاصي، سواء كان كالكذب في الكلام أو الغش، أو الخديعة، أو النظر المحرم، أو غير ذلك من التصرفات التي قد يقع فيه الإنسان نتيجة الغفلة واستحواذ الشيطان عليه.

ولذلك أنا رأيت بأنك قد حاولت فعلاً أن تخرجي من هذه الأزمة النفسية، وفقد الأمل في الحياة، وفقدت الرغبة في التميز –وغير ذلك–، وأنك حاولت أكثر من مرة لكنك لم توفَّقي، هذا كله أيضًا للشيطان دورٌ كبير في ذلك كله، كذلك أيضًا مسألة العلاج ومحاولة العلاج وعدم التوفيق، رغم أنك بذلت جهدًا كبيرًا.

لذا أقول: دعينا نبدأ من الصفر، فيما يتعلق بعلاقتك مع الله تبارك وتعالى:

أولاً: يجب عليك أن تعلمي أن التوبة تجُبُّ ما قبلها، وأن الإنسان مهما فعل من الذنوب واقترف من المعاصي إن رجع إلى الله تائبًا صادقًا فإن الله يغفر له ويتوب عليه، فعليك أولاً أن تتخذي قرارًا بالتوقف عن هذه الأشياء التي لا تُرضي الله سبحانه وتعالى، وهذا أول أمر وأول ركن من أركان التوبة: التوقف عن المعصية أو الإقلاع عن الذنب.

الأمر الثاني: الندم على هذه المعاصي التي حدثت.

الأمر الثالث: العزم على ألا تعودي إليها.

الأمر الرابع: أن تعاهدي الله تبارك وتعالى بأنك ستكوني أمَةً (عبدةً) مؤمنة خالصة العبودية له سبحانه، وأنك تعتذرين له عمَّا بدا منك من سيئات وتصرفات غير مقبولة.

وثقي وتأكدي من أن الله سيقبل منك، وأنت الآن في شهر رمضان المبارك، فاجعليها توبة، وادخلي رمضان وأنت نظيفة نقيَّة بنفس طيبة.

أتمنى أيضًا مواصلة الرقية الشرعية، لأني أعتقد أنها العلاج الأمثل لمثل حالتك، حاولي على ما أنت عليه ولا تتوقفي عن ذلك، وحافظي على الصلوات في أوقاتها، واجتهدي بأن تنامي على طهارة، وحافظي على أذكار النوم، لأن أذكار النوم مهمة جدًّا في حفظك وأنت نائمة، كذلك الوضوء، وحافظي على أذكار الصباح والمساء، وأكثري من الدعاء والإلحاح على الله تبارك وتعالى أن يعافيك الله تعالى مما أنت فيه، واعلمي أن كل شيء بيد الله، فعليك بحسن الظن بالله وصدق التوكل على الله، واعلمي أن حل مشاكلك كلها لا يستغرق شيئًا من الله تبارك وتعالى، فلو علم الله منك صدق التوبة وصدق النية والإخلاص لبدل كل سلبية لديك بإيجابية.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً