الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدتي تعاني من اضطراب عقلي ونسيان كثير، ما توصيف مرضها؟

السؤال

السلام عليكم
أشكركم على هذا الموقع الرائع.

سوف أسرد تفاصيل حالة والدتي، لعل الله يكتب لها الشفاء، فمنذ أن كنت بعمر بين 8-12 سنة، أصبحت الوالدة تعاني من معتقدات غريبة، مثلا تقول: إن هنالك أناسا يقصدون إيذاءها، أو هنالك من يعمل لها سحرا، وأصبحت تعمل أشياء غريبة، وتركت واجباتها المنزلية من الاهتمام بالمنزل وغيرها من الأمور، وأذكر مرة أن أحد أصدقائي ونحن كنا صغارا عيرني بابن المجنونة! وذلك لتصرفاتها الغريبة في حينا الذي نسكن فيه.

بعد ذلك أخذناها إلى طبيب نفسي في منطقتنا، وقرر أن ترقد في المستشفى، وكان يعطيها حقن كهرباء في الرأس، واستمرت فترة وبعد ذلك رجعت لطبيعتها، وأذكر ذات يوم أتيت إلى المستشفى كالعادة لأطمئن عليها، لاحظت تغيرا كبيرا عليها، أصحبت طبيعية، وكانت تقول: إنها لا تذكر شيئا، واستغربت لماذا هي في المستشفى؟ وكانت كمن كان نائما واستيقظ من نومه ليتفاجأ بالتغيرات التي حدثت في فترة عدم وعيه، فكنت أقول لها: لقد كنت تفعلين كذا وكذا هل تذكرين؟ تقول: لا أذكر! فماذا يسمى هذا الشيء؟

المهم -الحمد لله- أصبحت جيدة، وبعد أن صرت بعمر 15-20 سنة، عرفت أنها كانت تأخذ حقنة تسمى (مودكيت) وقرأت أنها تظهر علامات الشيخوخة المبكرة، وعندما صرت بعمر 25 – 30 سنة كنت آخذها لمقابلة الطبيب كل 3 أو 4 أشهر، وكان يعطيها دواء يسمى (chloprimazine) وكانت لما تنتظم في أخذه أشعر أن تفاعلها معي ومع من حولي جيد، أي بمعنى لا تذكر كثيرا أن أحدا يريد أن يعمل لها سحرا أو أن أحدا سيضرها، أو إذا أخذ شخص شيئا منها تفكر لماذا أخذه، أو أن أحدا يخبرني أنها ذهبت إلى السوق في حال اتصالي عليها، وهي في السوق
أحيانا ألاحظ أنها تجلس في أي مكان معين، في البيت مثلا إذا دخلت غرفة في بيتنا لا تجلس إلا في كرسي معين، وعندما أصر على أن تجلس في أي مكان في الغرفة غير الكرسي ترفض وتخرج، وأشياء مثل هذه.

كنت ألاحظ أنها عندما تتناول هذه الحبوب تصبح كثيرة النوم، ولسانها ثقيل في الكلام، وتقول: إنها تحس بزغللة في العيون، ولكن تتفاعل جيدا معنا.

المشكلة كان الطبيب ينبهنا إلى الانتظام في أخذ العلاج بدون انقطاع، ولكن كانت تقول: إنها أصبحت جيدة، وتخفي عنا انقطاعها في أخذ الحبوب، وهي مستمرة في هذه الحالة إلى الآن، مع وجود بعض الاعتقادات السابق ذكرها، ولكن بشكل متفاوت، علما أنها تعاني من السكري، وغير منتظم.

جدي -أي أبوها- عندما كبر في السن أصبح ينسى كثيرا، فهل له علاقة بمرض أمي هذا؟ وما هو مرض والدتي؟ وكيف نتعامل معها؟ وهل يمكن أن تتعافى نهائيا من هذه الاعتقادات؟ علما أن عمرها الآن 55 سنة، وهل تحتاج إلى فحوصات لمعرفة حالتها أكثر وتشخيصها تشخيصا دقيقا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ wadah حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكرك على حرصك على أمر والدتك، وقد هيأ الله تعالى لك بابا من أبواب البر بها، فاحرص أن تقدم لها خالص جهدك.

رحلة والدتك مع المرض واضحة جدًّا، هي تعاني مما يعرف بالمرض الباروني، أو الزواري، وهو مرض يتسم أو يتصف بظهور أفكار ظنانية، وبعض التصرفات الغريبة في بعض الأحيان، وقد تكون هنالك بعض الهلاوس أيضًا.

رحلتها مع العلاج أيضًا واضحة جدًّا، واستجابتها للعلاج كانت ممتازة حين تم تنويمها بالمستشفى، وأعطيت العلاج اللازم، بعد ذلك اختفت الأعراض تمامًا، وذلك بفضل الله أولاً ثم الدواء، وكذلك الجلسات الكهربائية التي حسّنت من إيقاع أداء المخ.

عقار (chloprimazine) الذي أُعطي لها، وكذلك الـ (مودكيت Modecate) هي أدوية مضادة للذهان الباروني، وهي أدوية معروفة، وإن كانت قديمة بعض الشيء، لكن آثارها الإيجابية كثيرة جدًّا لاحتواء هذا المرض، قد تسبب بعض الآثار الجانبية ككثرة النوم والثقل في اللسان – كما ذكرت -.

والدتك تحتاج للعلاج، ويجب أن تستمر عليه، وهذا لا نعتبرها مرحلة علاجية، إنما هي مرحلة وقائية؛ لأن هذا المرض فيه الجوانب الانتكاسية، لكن الحمد لله إذا قارناه بأمراض أخرى نجد أن هذا المرض أفضل كثيرًا من الأمراض الأخرى، بشرط أن يحافظ الإنسان على الجرعة الوقائية من العلاج.

الآن هناك الكثير من التطورات فيما يخص الأدوية، الأدوية التي بين أيدينا الآن سهلة الاستعمال، وربما يكون مستوى السلامة فيها أكثر.

قطعًا مواصلة والدتك مع الطبيب مطلوبة، وإن شاء الله تعالى تجد المساعدة اللازمة، ومن جانبكم أكثروا من برها، وشجعوها على تناول العلاج، ولا تشعروها بأي نوع من النقص، على العكس تمامًا يمكن أن تقوم بدورها التربوي والأسري على أحسن ما يكون.

بارك الله فيك وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً