الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كنت أعمل بعض المعاصي، فكيف أتوب توبة نصوحا؟

السؤال

السلام عليكم

أنا شاب 22 سنة، أصلي -الحمد لله-، ولا أعصي ربنا على قدر استطاعتي، -الحمد لله-.

منذ فترة كنت أكلم بنات وحصلت تجاوزات مع واحدة ونحن في خلوة، لكني تبت وندمت الحمد لله، وواظبت على الصلاة، وابتعدت عن أي معصية الآن وساعات أقرأ القرآن، وأنا أحب أن أتزوج، هل حين أتزوج ربنا يعاقبني على الذي عملته، وهل ممكن زوجتي تتأذى بسبب ذلك؟ (كما تدين تدان).

هل يجوز أن ألمح أني كنت أعمل حراما، من غير أي تفاصيل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ السائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يتجاوز عن سيئاتك، وأن يتقبل توبتك خالصة لوجه الكريم، وأن يجنبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن.

وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل- فإنه مما لا شك فيه أن التوبة عظيمة جليلة ورائعة، وأنها تجُبُّ ما قبلها، بل إن الله تبارك وتعالى إذا علم من العبد صدقًا وإخلاصًا في توبته فإنه جل جلاله سبحانه يبدِّل سيئاته حسنات، فتتحول سيئات العبد إلى حسنات عند الله تبارك وتعالى مصداقًا لقوله: {فأولئك يبدِّل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورًا رحيمًا}.

هذه الحالة التي أنت عليها الآن حالة رائعة، فأنت الآن على طاعة وتجتهد في مرضاة الله تبارك وتعالى على قدر استطاعتك، ومَنَّ الله تبارك وتعالى عليك بالبعد عن المعاصي والتوبة من الذنوب والأخطاء التي وقعت فيها سابقًا، وهذه كلها أعمال إيجابية وأشياء رائعة تنُمُّ على أنك -إن شاء الله تعالى- على خير وإلى خير.

فيما يتعلق (حقيقة) بموضوع الزواج، وهل أن الله -تبارك وتعالى- قد يعاقبك في زوجك؟ أقول: هذا أمر ليس ضروريًا، بل إنه ليس لازمًا، فالعبد قد يُذنب ذنبًا ويتوب إلى الله -تبارك وتعالى- فيغفر الله له ويتوب عليه، الأمر متوقف عليك أنت شخصيًا، لأن الله -تبارك وتعالى- قال: {الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات} فثق وتأكد أنك إذا كنت طيبًا وصالحًا فسيمُنُّ الله -تبارك وتعالى- عليك بزوجة طيبة صالحة عفيفة، واعلم أنك إن كنت قد تبت توبة نصوحًا فعلاً من قلبك وأنك عاقد العزم على ألا ترجع لهذا الذنب أبدًا، وأنك قد تركته من أجل الله -تبارك وتعالى- وحياءً منه وحده فإن الله -تبارك وتعالى- سيكافئك على هذه التوبة بأن يُكرمك بزوجة عفيفة فاضلة صالحة.

أما إذا كانت هذه التوبة ليست صادقة وليست جادة ومخلصة فلا يُستبعد أن يكون هناك عقاب من الله تبارك وتعالى، ونذكرك قصة (دقة بدقة ولو زدنا لزاد السقة)؛ لأنك بذلك أفسدت على الناس أفضل ما لديهم، وإذا لم تتب إلى الله تبارك وتعالى التوبة النصوح سيعاقبك الله في أفضل ما لديك أيضًا.

هذا لا يلزم، لكن قد يحدث هذا الكلام، إلا أن التوبة الصادقة النصوح -بإذن الله تعالى- سوف تجعلك في مأمن من هذا الأمر، لأن الله تبارك وتعالى وعدنا بأنه يقبل توبة التائب إذا كانت التوبة نصوحًا، وإذا كانت مستوفية الأركان للقبول وشروطه، وإذا كانت التوبة لله تبارك وتعالى، وأن يُقلع الإنسان ويتوقف عن الذنب فورًا لله -تبارك وتعالى-، وأن يعقد العزم على ألا يرجع إليه، وأن يندم على فعله، هذه هي أركان التوبة.

إذا علم الله منك ذلك سبحانه وتعالى وطبقت ذلك عمليًا فاعلم أن الله -تبارك وتعالى- سيغفر لك ما حدث منك مهما عظم ومهما كان ما دمت من المؤمنين الموحدين الذين لا يُشركون بالله شيئًا.

أما إذا كانت التوبة فيها خلل فهذا الذي قد يُعرضك لعقاب الله في المستقبل، وما كان ربك نسيًّا، وأما فيما يتعلق بإخبار زوجتك بما حدث فهذا لا يجوز شرعًا، لأن الله تبارك وتعالى قد ستر عليك، فلماذا تفضح نفسك؟

حتى وإن كانت تحبك وكنت من صالح المؤمنين فأنت إذا أخبرتها بذلك فسوف تتشكك فيك وسوف تفقد الثقة فيك، وقد تفتح على نفسك بابًا من أبواب الجحيم، لأنها كلما وجدت تصرفًا منك فيه شيء من الريبة اتهمتك بأنك تفعل الحرام.

عليك -بارك الله فيك- أن تستر على نفسك تمامًا، وألا تذكر هذا الأمر، وألا تسألها أيضًا عن ماضيها، فلا تسألها ولا تسألك، حتى لو أنها أرادت أن تسألك: ألك علاقات، أكانت لك علاقات؟ فقل لها: (هذه مسائل الله -تبارك وتعالى جل جلاله- أعلم بها، ولا ينبغي أن نسأل عنها شرعًا؛ لأن هذا من الأمور التي لا يجوز السؤال عنها).

أهم شيء أن تواصل التوبة، وأن تحافظ على مستواك الإيماني، وأن تجتهد في المحافظة على الصلوات في أوقاتها في جماعة، مع المحافظة على السنن والمحافظة على أذكار ما بعد الصلاة، كذلك المحافظة على الورد القرآني اليومي، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء، والإكثار من الاستغفار حتى يمُنّ الله تبارك وتعالى برصيد كبير من الأعمال الصالحة التي تؤهلك لأن تكون من أهل الجنة.

أسأل الله أن يغفر لنا ولك، وأن يتوب علينا وعليك، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصطفي محمد

    بارك الله فيكم وجعله في ميزان حسناتكم‏ ان شاء الرحمن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً