الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعثرت في دراستي الجامعية ولم تعد لدي الرغبة في الدراسة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا طالب جامعي أبلغ من العمر 20 عاما، في السنة الثالثة -اعتذرت عن الدراسة في هذا الترم- نظرا لما أعانيه من ضغوطات نفسية بسبب رسوبي في العديد من المواد، وانخفاض المعدل الشديد ( 2.78 من 5 ) وبسبب كرهي الشديد للجامعة، علما أنني أراجع عند راق شرعي بسبب حسد في العلم.

في البداية أود أن أذكر لكم بعض التفاصيل عن حالتي، حيث إنني أعاني من كثير الأعراض من بداية دخولي للجامعة تتلخص في:

اكتئاب طويل ومستمر، النوم لساعات طويلة بمعدل 12 ساعة، خمول وكسل دائم، الشعور بالجوع مع فقدان الشهية، جفاف الحلق المستمر، اضطرابات وانتفاخات في المعدة، غير منظم وغير مهتم في مظهري، لا توجد أي اهتمامات وهوايات أرغب بممارستها، أميل للوحدة، وكثيرا ما أتكلم مع نفسي بصوت غير مسموع، لا توجد لدي أي رغبة في إكمال الدراسة.

ما أود أن أستشيركم فيه: ماذا أفعل لكي أتخلص من الأعراض التي ذكرتها لكم سابقا؟ وبالرغم مما ذكرت إلا أنني اجتماعي مع أهلي وأصدقائي، وذو نظرة إيجابية دائما.

هل تنصحونني بترك الدراسة والذهاب إلى العمل في إحدى الشركات الكبرى مع إتمام دراسة البكالوريس عن طريق الانتساب وإكمال الدراسات العليا بعد ذلك خارج المملكة -هذا ما يشغل تفكيري حاليا-؟ وهل أنا في حاجة لزيارة طبيب نفسي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مصطفى حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مشكلتك هي تحديد الأسبقيات الحياتية، أنت يستهويك الجلوس مع أصدقائك وتكون مستمتعًا وفرحًا، لكن حين يأتي الأمر للتعليم والدراسة تحس بهذا الضجر والانقباض والكدر.

أيها الفاضل الكريم: إذا أدرك الإنسان أهمية الأمر فلا بد أن يوفيه حقه، والعلم نور، والدين نور، والحياة لا تقوم دونهما، وأنت في عمر فيه طاقات عظيمة وكبيرة، فلا تضيع وقتك أبدًا، أنت محتاج لأن تجلس مع نفسك، وهذه نسميها الجلسة الفكرية المعرفية، يعني أن تقيِّم وضعك، أن تفهم ذاتك، وأن تدرك نقاط ضعفها، ونقاط ضعفها واضحة جدًّا، وهي أنك لم تستدرك أهمية العلم وعظمته وسموه، فمن خلال هذا التفكير الإيجابي، ومن ثم اتخاذ الخطوات العملية التي توصلك لذلك سوف تتبدل الأمور وتتغير لديك.

اذهب وتواصل دراستك، أقول لك هذا بكل حزم وتشجيع ومودة وأبويَّة، فيا أيها الفاضل الكريم: أرجو أن تنصاع لهذا الأمر، وهذه هي الحكمة والحكمة ضآلة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها، إذًا أن تستشعر قيمة العلم هو الدافع المحفز الأساسي لك.

بعد ذلك الأمور سهلة جدًّا، ترتيب الوقت فقط وتنظيمه، فمن حقك أن تنام، من حقك أن ترفه عن نفسك، من حقك أن تتريض، لكن أيضًا من حقك أن تعبد الله على حق وتقوم بواجباتك الدينية، وأن تدرس وتجتهد في الدراسة.

أريد أن ألفت نظرك لأوقات جميلة جدًّا يمكن للإنسان أن يدرس فيها ويستوعب، بل يقوي رغبته، إذا درست لمدة ساعة إلى ساعة ونصف بعد صلاة الفجر، ومن ثم ذهبت إلى فصلك الدراسي سوف تجد أنك بالفعل قد باركت على نفسك؛ لأن هذه الأمة قد بورك لها في بكورها، وسوف تجد أن الانشراح أصبح هو ديدنك، ونفسك راضية رضيّة مرضية مطمئنة، إنجاز عظيم بدأ بعد صلاة الفجر، حيث يستيقظ الإنسان ودماغه في حالة استرخاء وترميم كامل من خلال النوم الجميل والطيب، وبعد ذلك وزع وقتك حسب ما تشاء، ويجب أن يكون بصورة توافقية ومنصفة، لا تستهلك الوقت وتضيعه عبثًا.

كل شيء يمكن أن يعمله الإنسان إذا أراد ذلك، (الترفيه – الحياة الطيبة – القراءة – الاستمتاع بكل ما هو جميل) الأمر فقط يتطلب قناعات، ويجب أن تبني قناعاتك على هذا السياق.

أيها الفاضل الكريم: اسع دائمًا لبر والديك، ومن أكثر ما يُفرح الوالدين هو اكتساب العلم لدى الأبناء، وبر الوالدين مفتاح عظيم للسعادة.

الأصدقاء الذين تزاملهم أنا لا أدعوك أبدًا أن تنفر منهم، لكن دائمًا كن مع الطيبين الصالحين المتميزين الموفقين أصحاب العلم والدين، لأن الإنسان يحتاج لمن يعين على أمور الدنيا والآخرة، وهناك ظاهرة نسميها في علوم السلوك (ضغط الرفاق، أو الزمالة أو الزُمر) هو التأثير الذي يأتينا ممن هم حولنا، وفي رفقتنا، فتخير لنفسك الخيرين حتى تجد أن آفاقًا كثيرة قد فُتحت أمامك.

الدنيا إذا تخيلناها كغرفة، الحمد لله تعالى ليس لها باب واحد، ليست مثل الغرفة التي ننام فيها، إذا أغلق أمامك باب من هنا يمكن أن تفتح الباب الآخر، بشرط أن يكون لك الدافعية، وأن تعلم، وأن تشهد، وأن تقتنع بأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

سر على هذا المنوال، وبالجد والاجتهاد سوف تحفز نفسك. حتى تنتشل نفسك من حالة الضجر هذه، وعسر المزاج أعتقد أن تناولك لعقار مثل البروزاك، والذي يسمى (فلوكستين) سيعطيك دافعًا إيجابيًا، لكن لا أقول لك أن الدواء سوف يحل كل مشكلة.

جرعة الفلوكستين المطلوبة هي كبسولة واحدة في اليوم، وقوة الكبسولة هي عشرين مليجرامًا، تناولها بعد الأكل لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلها كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهرين، ثم توقف عن تناول الدواء.

ما ذكرته لك من إرشاد وقدمته لك من نصائح علمية ودواء وصفناه يجب أن تأخذها كلها ككتلة واحدة، جزء واحد لا يتجزأ، يجب أن تأخذه بكليَّاته حتى تنجح وتكون من المتفوقين -إن شاء الله تعالى- .

فكرة الدراسة بالانتساب واللجوء للعمل، لا أقول أنها مرفوضة مائة بالمائة، لكن أخاف في حالتك أن تكون بابًا للتكاسل والتسيب، لذا من الأفضل أن تكون في التعليم النظامي.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الأردن عمرو

    بارك الله فيك و جزاك خيرا

  • الجزائر mammar

    هذه نصائح رائعة ارجو ان اطبقها في الواقع العملي

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً