الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عندما أغضب أو أشعر بالملل أخدش وجهي !!

السؤال

أعاني من ( dermatillomania ) أو (skin picking desorder)، فإن وسواسي هو في وجهي، فعندما أغضب، أو أشعر بالملل أو التوتر تبدأ يدي بتلمس وتحسس وجهي باحثة عن أي شيء تستطيع أن تغرس به أظفارها لتقتلعه، فما إن أشعر بشيء حتى أقفز أمام المرآة لأراه جيدا، وأتخلص منه حالا، فحتى لو كان هذا الشيء عبارة عن نقطة سوداء، أو حبة صغيرة لا رأس لها، فإنني عندما أراها أتوتر جدا، وأصبح كالغائبة عن الوعي، وينصب تركيزي كله على هذا الشيء الصغير في وجهي، فأحاول إخراجه، فإن لم يخرج بسهولة، فأنا على استعداد لأن أمكث يوما كاملا لأحفر في خدي وفي لحمي حتى يخرج هذا الشيء الصغير الذي لا يكاد يُرى.

ودائما عندما أخرجه أظل أبحث وأبحث عن غيره، وهكذا حتى تملأ الدماء وجهي فعندما أُخرج كل شيء وتنتهي النوبة حتى أعود لحالتي الطبيعية، فأجد نفسي نادمة متحسرة على ما جنته يداي في وجهي، ولكن للأسف هذا الندم وهذه الحسرة لم تستطع أن تمنع هذا الوسواس العنيد جدا، فلا تكاد أن تشفى هذه الجروح حتى أجد نفسي قد صنعت غيرها، وما يؤلم هو أن طبيعة بشرتي صافية خالية من الحبوب، ومن يراني يحسب أني مصابة بأسوأ أنواع الأمراض الجلدية، فالبقع الحمراء والتسلخات والجروح وآثارها تملأ وجهي.

وجهي المسكين الذي ما إن تهدأ نفسي، ويخف هذا الوسواس حتى أجده بدأ بالتنفس، وبدأت الجروح بالشفاء وبدأ النور يعود إليه، ولكن للأسف هذه الهدنة لا تطول، فسريعا ما أعود لأحدث جروحا جديدة، وهكذا منذ أكثر من سنة.

وبعد هذا كله لا أظن أنه من الضروري أن أخبركم عما ترتب على هذا الوسواس من ضيق واكتئاب وانعزال عن الناس، الناس الذين ما إن يروني حتى تظهر عليهم ملامح الاندهاش والاستغراب، فلا يملكون إلا أن يسألوا، فمما يقولون: ما الذي حل بوجهك؟ لقد كان وجهك صافيا؟ كيف حدث هذا فأنت لم تكوني تعانين من حب الشباب؟ بشرتك كانت كبشرة الأطفال؟هم يقولون ويسألون، وأنا أتألم، ولا أعرف بماذا أجيبهم!

أرجوكم ساعدوني ببعض النصائح.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ تهاني حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الذي تعانين منه نوع من الفعل القهري الوسواسي ولا شك في ذلك، هذه الحالات معروفة لدينا، وإن كانت ليست كثيرة، وفي بعض الأحيان تكون مرتبطة بوسواس نتف الشعر.

العلاج ممكن جدًّا، وأنا أفضل أن تذهبي وتقابلي طبيبة نفسية إذا كان ذلك ممكنًا، ومن جانبي أقول لك إنه يوجد علاج بيولوجي - أي علاج عن طريق الأدوية - ويتبعه أو يكون معه علاج سلوكي.

العلاج الدوائي: اتضح أن بعض الأدوية التي في الأصل هي مضادات للوساوس وللاكتئاب تساعد، وهنالك دواء يعرف باسم (فلوفكسمين)، ويسمى تجاريًا (فافرين) تمركزت حوله الكثير من الدراسات التي أشارت إلى نفع كبير في علاج مثل حالتك، لكن يجب أن يكون هناك التزام في تناول جرعة الدواء، ولمدة لا تقل عن ستة أشهر، وبفضل الله تعالى الدواء سليم، وغير إدماني، ولا يؤثر على الهرمونات النسوية، هذا من ناحية.

من ناحية أخرى: العلاجات السلوكية تتمثل في الآتي:

أولاً: التغير الفكري، بمعنى أن تبني قناعات قوية وصارمة أن هذا الفعل فعل سخيف، ويجب تجاهله، ويجب تحقيره، ويجب عدم اتباعه مهما كانت الدافعية نحوه، هذا الفكر الجديد يجب أن يكون هو منهجك.

ثانيًا: عليك بتمارين الاسترخاء. اتضح وبما لا يدع مجالاً للشك أن هذا النوع من الوساوس القلقية مرتبطة بانفعالات سلبية كالتوتر والعصبية، لذا ممارسة تمارين الاسترخاء نعتبرها أمرًا جوهريًا للمساعدة في العلاج، وأنا متأكد أن الطبيب النفسي سوف يقوم بتدريبك على هذه التمارين، وفي ذات الوقت موقعنا أعد استشارة تحت رقم (1236015) يمكنك الرجوع إليها والاطلاع عليها بدقة وتطبيق ما ورد فيها بالتزام.

رابعًا: من العلاجات السلوكية الجيدة هي أن تجلسي على كرسي في مكان هادئ، وتعتبري هذه الجلسة جلسة نفسية سلوكية علاجية، بمعنى أن لا تشغلي نفسك بأمر آخر، ابدئي ببسم الله الرحمن الرحيم، اقرئي سورة الفاتحة، بعد ذلك أغمضي عينيك، ثم تصوري وتخيلي أنك تريدين أن تطبقي الفعل الوسواسي - وهو التلمس والتحسس والنغز على وجهك - تصوري هذا الفعل الوسواسي، ضعي يدك على وجهك؛ لكن لا تقومي بأي نوع من الملامسة الحقيقية، ثم بعد ذلك انزعي يدك فجأة وقومي بالضرب عليها على جسم صلب كالطاولة (مثلاً)، والتي يجب أن تكون أمامك.

الهدف هنا أن تربطي الفعل الوسواسي بفعل مخالف له، وهو إيقاع الألم على النفس، تكرار مثل هذا التمرين البسيط يؤدي إلى إضعاف الفكر الوسواسي.

تمرين آخر وهو: أن تضعي الرباط المطاطي الذي يُستعمل لربط الأوراق المالية، أن تضعيه على رسغ اليد، وتفكري في الفعل الوسواسي هذا، ولا تطبقيه، وقومي في نفس الوقت بجذب هذا الرباط المطاطي، ثم إطلاقه حتى تحسي بألم شديد.

الهدف أيضًا هو أن يحدث ما يسمى بفك الارتباط الشرطي، فعلان متضادان غير منسجمين قطعًا لا يلتقيان، هذا يقوم على تجارب سلوكية كثيرة، ...وهكذا.

أيضًا أحد التمارين الجيدة هي أن تقومي بفعل مخالف، مثلاً قولي (بدلا أن أقوم بلمس وجهي وتحسسه وجرحه سوف أقول: "أستغفر الله العظيم" مع نفسي، أو سوف أقوم بالقبض على يديَّ بقوة وشدة) وهكذا، هذه كلها نوع من الحيل التدبيرية السلوكية المعرفية التي أثبتت جدواها.

موضوع الاكتئاب الذي تعانين منه هو أمر ثانوي، وقطعًا بعد أن تتحسن أحوالك ، والتي أتوقع أنها سوف تتحسن خلال أربعة إلى ستة أسابيع من بداية استعمال الدواء والتطبيقات السلوكية التي ذكرتها لك، وأي إضافات أخرى يقوم الطبيب النفسي بنصحك بها.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، أسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً