الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أقنع والداي الرافضين دراستي للصحافة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة عمري 17 عاماً، أنهيت الثانوية العامة قبل أيام، وأنتظر ظهور النتائج بعد أسبوعين، عندي رغبة شديدة في أن أدرس الصحافة لخدمة وطني، بالرغم من المخاطر التي من الممكن أن أقع بها، إلا أني متمسكة بخياري، وعندي قناعة إذا لم أدرس الصحافة، فلا معنى أبداً لحياتي، متعلقة جداً بالسياسة، جميع صديقاتي يعجبن بصفحات مواقع التواصل الاجتماعي عن الحب والفراق، بينما أنا أنجذب لصفحات الأخبار والأحداث، حلمت بالصحافة منذ كان عمري 13 عاماً، وتمسكت بها بشدة بعد حرب غزة.

المشكلة أن والدي يتدخل في طموحي، كنا دائماً نتشاجر، يريدني أن أدرس الفنون بحكم أن رسمي جميل، ويريدني أن أطور مهاراتي، لكن الرسم بالنسبة لي هواية، لا أريد أن يكون هذا تخصصي في الجامعة، وقبل فترة قصيرة بدأ بطرح فكرة لم تعجبني بتاتاً، هي أن أدرس القانون مع أختي!

أنا كتبت هذا الموضوع لا لتقنعوني بالمحاماة ولا بالفنون، أريد إقناع والدي بالصحافة، ولا أدري ماذا أقول له، مع العلم أنه متعلم وبدرجة عالية، فهو حاصل على الدكتوراه بالهندسة، وقد أجبر هو الآخر على دراسة تخصص لا يريده، وفاتحته بهذا الموضوع، لكنه ذكر أنه قد غير تخصصه للهندسة لأنها تدر عليه أموالاً أكثر، لكن ليس هذا السبب الحقيقي، والدي يحب المحاماة، يريد أن يفتح لنا مكتباً خاصاً -أنا وإخوتي-، لا يراعي أبداً طموحي.

أختي قبلت بالمحاماة لأنه ليس لها طموح، بينما أنا حلمي خدمة وطني، قمت بإنشاء صفحة على موقع التواصل الاجتماعي للأقصى، بالرغم من أن هذا خطر علي، حيث أن الاحتلال يلفق تهماً للذين يحرضون ضدهم، رجاء أريد بعض الكلمات لإقناعه، فهو عصبي جداً، وإذا غضب وأنا أتكلم معه أبدأ بالبكاء، ولا أستطيع التكلم بكلمة واحدة.

والمشكلة الأخرى أمي، أشعر أنها لا تثق بي، تعاملني وكأني من الفتيات ذوات السمعة السيئة، أشعر بمعاملتها لي وكأن تربيتي تربية فتاة من الشارع، بالرغم من أني ملتزمة بصلاتي -والحمد لله-، وألبس الحجاب والجلباب، أعلم أن هذا ليس مقياساً للأدب، لكني والله أغض بصري، وأنا واثقة من نفسي، فأنا أخاف ربي، وأحاول أن أبتعد قدر استطاعتي عن المعاصي، ومن بين مواقفها أنها تعلم برغبتي في الدراسة في جامعة بعيدة عن مكان سكننا، وللعلم بأن هذا أمر طبيعي، فوالدي يريدني أن أدرس في جامعة بعيدة عن بيتنا، وأن آخذ سكناً مع صديقاتي، لكن أنا أريد الدراسة في المدينة المجاورة للمدينة التي يريدها، حيث أن الجامعة التي سأدرس فيها وأتخرج منها، ستعطيني هي العمل مباشرة، عكس الجامعات الأخرى التي ينبغي عليك أن تبحث عن عمل وهكذا، وهذه مشكلة أخرى أعانيها مع والدي.

المشكلة أن أمي تريدني أن أدرس في جامعة قريبة من البيت، بحيث أرجع للبيت كل يوم، وهذا ليس خوفاً عليّ، إذ أن أختي كانت ستدرس في الجامعة التي يريدني والدي أن أدرس فيها، لكنها لم تحصل على تقدير عال، فذهبت للجامعة القريبة منا حيث قبل تقديرها، واكتشفت أن أمي قد أقنعت والدي أن أدرس مع أختي، هي تعلم طموحي ورغبتي، لكنها قالت لي بالحرف الواحد: ليس عندي بنات ينمن خارج المنزل. أقسم لك بأنها تشك في!

كيف أتعامل مع الموضوع؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لجين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

نرحب بك -ابنتنا الفاضلة-، ونشكر لك حسن العرض للمشكلة، ويظهر التميز في هذا العرض، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على إقناع الوالد والوالدة، ولا شك أن الصواب هو أن يمضي الإنسان للتخصص الذي يحبه، ويجد فيه نفسه، ليس التخصص الذي يُفرض عليه، ونعتقد أن الصحافة والإعلام عمومًا، من المجالات الجيدة التي يستطيع فيها الإنسان أن يقدم خدمات جليلة لأمته، وكذلك كل التخصصات، لكن المهم هنا هو أثر الصحافة والإعلام، وأيضًا ضرورة وجود من يحمل رسالة، من يُحب هذه المهنة، من يحب الأقصى، من يُحب بلده، من يحب رسالته، وأنت -إن شاء الله تعالى– من هذا النموذج.

كنا نتمنى أن نعرف ما هي أسرار رفض الوالد، هل نستطيع أن نقول: خوفًا عليك؟ لأن هذه المهنة فيها مجازفة وصعوبة، أم لاعتبارات أخرى؟ فإذا كان هذا هو الاعتبار –اعتبار الخوف– فإنا نريد أن نقول: الحافظ هو الله تبارك وتعالى، والإنسان سواء كان في الصحافة أو في غيرها، يحتاج إلى تضحيات في هذه الحياة، والإنسان عليه أن يصدق في مهنته ويصدق في عمله، ويعلم أنه لن يصيبه إلا ما قدره الله تبارك وتعالى القائل: {قل لن يُصيبنا إلا ما كتب الله لنا}.

أما بالنسبة لأمر الوالدة –وسنعود لقضية التخصص–، فإنا نريد أن تشعري أولاً أنها لا تشك فيك، وهذا واضح، والدليل على ذلك أنها رفضت أن تدرس أختك أيضًا بعيدًا، وهذا ليس بالضرورة أن يكون شكًّا فيك أو في أختك –وحاشاكم–، لكن الوالدة عندها خوف من الزمن، فإذا كنت أنت طيبة فهل الآخرون طيبون؟ وهل الأخريات طيبات؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن نُقنع به الوالدة، فهذا زمان كثير من الآباء والأمهات يخافون على أبنائهم وبناتهم، والواجب عليك وعلى أختك، أن تثبتن أنكن فوق مستوى مثل هذه الأمور، وأنكن محل ثقة، والوالد أيضًا ينبغي أن يقف في صفك في هذه المسألة، لأنه باعتباره شخص متعلم مقتنع بهذه المسألة، والفتاة التي تصون نفسها، ستصون نفسها في كل مكان.

ومن هنا نحن نحب أن نؤكد بداية أنها لا تشك فيك، وأنها لا تعاملك على أنك سيئة، لكنها تخاف من الواقع، وهذا واضح أنه منهاج لها معك ومع غيرك، والدليل على ذلك أنها قالت: (ما عندي بنت تبات خارج المنزل) أو نحو ذلك من الكلام.

فنحن نريد أولاً أن تقتربي من والديك، تجتهدي في إرضائهما، وتحاولي أن تتعاملي مع الأمور بمنتهى الهدوء، ونتمنى أن تتواصلي معنا لنعرف الأسباب الفعلية لرفض الوالد، لأن الصواب معك، الصواب أن يدرس الإنسان في المجال الذي يميل إليه، وإذا كان عند الوالد أسباب، فأرجو طرحها حتى نستطيع أن نناقش ونتفهم وجهة نظر الوالد، مع أننا نؤكد أن النجاح الفعلي للإنسان، هو أن يسير في المجال الذي يحبه، ولا تصلح المجاملة في مثل هذه الأمور، ونحن لا يصلح معنا مجرد خريج جامعي، بل نريد خريجاً موهوباً يحب تخصصه، يبدع فيه، يقدم فيه الجديد والمفيد.

ولا مانع من أن يكون الرسم هواية أخرى، وتكون الصحافة هي التخصص، ونحن نتمنى أن تنجحي في إقناع الأسرة، وعليك أن تطلبي مساعدة الأعمام والأخوال من المتعلمين، ومساعدة من يمكن أن يؤثر على الوالد بالدرجة الأولى، ثم بعد ذلك تتفقي مع الوالد على مناقشة الوالدة، وإقناعها في الأمر الذي تخاف منه.

ومرة أخرى نؤكد، ما ينبغي أن تفكري أن الوالدة تشك فيك، لكن عليك أن تثبتي أيضًا للوالدة أنك ناضجة وعاقلة، وأن الوضع مؤمَّن، وتبيني لها أن فلانة وفلانة صالحة، وبنت فلان، أسر كبيرة يدرسن في ذلك المكان، فإن مثل هذه الأمور من شأنها أن تُقنع الوالدة، وتقرب لها الصورة، وأرجو أن تتعاملي مع نية الوالدة، فهي تخاف عليك، لأنك درة غالية، وليس معنى ذلك أنها تُسيء بك الظن، هي تخاف عليك، وأنا أؤكد هذا المعنى، لأن الآباء والأمهات الذين يسمعون عن تفلت بعض الأبناء والبنات، ربما يأتيهم الخوف على أبنائهم، وهذا الخوف الزائد الذي لا نؤيدهم عليه، قد يحملهم إلى الشدة في مثل هذه المواطن، فنحن إذن في حاجة إلى بيان، وإلى تغيير الصورة الموجودة في ذهن الوالدة، ولن يحدث ذلك إلا بمزيد من الالتزام، والإصرار على تمسك بآداب هذا الدين، بحجابه وأحكامه وآدابه.

ونتمنى أن تنجحي في إقناع الوالد، وأرجو أن تواصلي الحوار معه بمنتهى الهدوء، ويمكن أن تعرضي له ما كتبنا، فنحن نطلب من والدك الكريم أن يتركك تسيرين في المجال الذي تجدين نفسك فيه، لأن هذا ضامن للنجاح، وفيه نفع أكثر للأمة، فنحن لا نريد أن نُجبر أبنائنا على قناعات في أنفسنا، لكن لا بد للأبناء والبنات أن يتخصصوا في المجال الذي يجدوا أنفسهم فيه، حتى يكونوا إضافة فعلية وعلمية حقيقية لأمتهم.

نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • أسبانيا kenza kenza

    ربي معاك

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً