الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أبي يساعد كل أحد ويسترضيه ولا يدخر لمستقبل أبنائه فما العمل معه؟

السؤال

السلام عليكم

حقيقة أود أولا شكركم على مجهودكم الكبير في مساعدة عامة المسلمين، وأهنئكم بحلول شهر رمضان الكريم، كل عام وأنتم بخير، وأنتم كنتم نبراسا يضيء في هذه الشبكة ليسعد عامة المسلمين، فجزاكم الله كل خير، وأود منكم أن يتسع صدركم لفهم مشكلتي بالكامل، وهذا لثقتي الكاملة بكم.

أبى يقوم بتقديم فرص العمل للآخرين دون مقابل, وها هو الآن لا يستطيع أن يجد لابنه فرصة عمل؛ فأنا شاب في مقتبل العمر -23سنة- توجهت إلى مهنة الدرك، والتي تعتبر من أصعب وأخطر المهن راجيا من الله الحفظ والتوفيق في أداء هذا العمل على أحسن وجه -إن شاء لله-.

وحتى لا تذهب أموالي في اللهو والطيش فكرت في بناء مسكن على عاتقي وبرضى أخي الوحيد وأخواتي، منحني أبي قطعة أرض ولم يكتبها باسمي، بحجة أني غير قادر على تحمل المسؤولية أو تأخذها زوجتي مستقبلا؛ علما أن هذه القطعة التي هي ملك لأبي إلا أنها كانت وما زالت يطمع فيها الكثير خاصة من الأعمام وأبنائهم، وأنا أسمع انتقادات من أقاربي وأبناء عمومتي وما حولنا، وهذه الانتقادات عبارة عن استهزاء من طريقة تصرف أبي فهو لا يستثمر ولا يكتنز، ولا يحسب للمال حسابا، ولا يحسب لمستقبل أبنائه حسابا، وينفق هنا وهناك، ويستطيع التنازل عن حقه المالي إذا كان هذا يحول دون الصدام بينه وبين أحد، فهو يفكر فقط في يومه الذي يعيشه، ولا يفكر مطلقا في غده.

كانت الفاجعة بالنسبة لي عندما قالت لنا أمنا إن هذا هو حال أبيكم طوال حياته، ينفق هنا وهناك ولا يدخر شيئا، يساعد الناس جميعا، وعندما يريد مساعدتهم لا يجدهم، يضيع كل ما يملك هباء، ولا يحسب حسابا لمستقبل أبنائه، هو باختصار يسترضي الناس ولو على مصالحنا.

أنا الآن دائم التفكير في هذه الأشياء، فكري دائما مشغول بوالدي، أقول لنفسي: لماذا أبي لا يكتب لي القطعة باسمي؟ أحيانا أقول: سوف أتوقف عن البناء؛ لأن عندنا الوثيقة مهمة وتبعد عنا المشاكل مستقبلا، لماذا لم يدخر شيئا لنا، لماذا يتصرف بهذه السذاجة؟ كل الطرق السليمة واللطيفة لم تنفع معه.

أفيدوني أفادكم الله، ماذا علي أن أفعل؟ فأنا في ضجر كبير، أشعر أن حياتي وحياة أخي الوحيد تتساقط، وأحلامي تنتهي، وأبي يسقط من نظري، جزكم الله خيرا، ولكم مني كل المحبة والشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ البشير حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأهلا بك -أخي الحبيب- في موقعك إسلام ويب ونسأل الله أن يوفقك لكل خير وأن يرزقك الخير حيث كان وأن يوفقك لعمل الخير وخير العمل.

بخصوص ما سألت عنه: فإنا نتفهم تماما ما ألم بك وما يقلقك وما أنت ضجر منه، ولكن قبل أن نقول لك ما عليك أن تفعل لا بد أن نضع بعض النقاط على الحروف.

أولا: قضاء حوائج الناس صمام أمان لوالدك ولكم جميعا؛ يخطئ من يظن أن قضاء حوائج الناس ضربا من السفه أو تضييعا للجهد، هذا خطأ واضح بل فاضح، فالله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، وقد حث الإسلام على قضاء حوائج الناس، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته)، وفي الصحيح من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) وقد قال الشاعر:

اقض الحوائج ما استطعـــت*** وكـن لـهمِ أخـيـك فارج
فــــلخـــــــير أيام الفــــــتى *** يوم قضى فيه الحوائج

ولقد ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- المثل والنموذج الأعلى في الحرص على الخير والبر والإحسان، فعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ: يَا أُمَّ فُلاَنٍ، انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ، فَخَلاَ مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا. ألا أنها من أحب الأعمال وأعلاها وأزكاها عند الله تعالى، وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أحبُّ الناسِ إلى الله أنفعُهم للناس، وأحبُّ الأعمالِ إلى الله سُرُورٌ تُدْخِلُه على مسلم، أو تَكْشِفُ عنه كُرْبَةً أو تَقْضِى عنه دَيْناً، أو تَطْرُدُ عنه جُوعاً، ولأَنْ أمشىَ مع أخي المسلمِ في حاجةٍ أحبُّ إِلَىَّ من أن أعتكفَ في هذا المسجدِ شهرًا).

ثانيا: قضاء حوائج المسلمين سبب في ثبات النعم لا في زوالها، النعم -أيها الحبيب- لا تزول بقضاء حوائج الناس بل تدوم، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن لله عند أقوام نعماً يقرها عندهم ما داموا في حوائج الناس ما لم يملوا فإذا ملوا نقلها الله إلى غيرهم)، بل إن ترك قضاء حوائج الناس مع القدرة سبب في زوال النعم فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما من عبد أنعم الله عليه نعمة، فأسبغها عليه ثم جعل حوائج الناس إليه، فتبرم، فقد عرض تلك النعمة للزوال).

ثالثا: هناك نعم خفية لا يراها الناس هي من فضل الله علي العبد مثل: العافية في البدن، فكم من أناس جمعوا من الأموال ما لا يعد ثم ابتلى الله أحدهم بمرض أنفق ما جمع وصار متسولا، فانظر إلى ما أنعم الله به عليك تعرف قدر والدك وفضله.

رابعا: إن والدك يحتاج منك إلى بره وإلى الوقوف بجواره وإلى مساندته، واجعل يقينك في الله تفز، وبر أباك تسعد في الدنيا والآخرة، وثق أن الله لن يسلمك ولا والدك إلى ما تكره فالله حيي كريم، وهو المعطي والمانع.

ننصحك -أخي الحبيب- أن تكمل بيتك وأن تجتهد في بناءه، وأن توثق عرى الاتصال بينك وبين إخوتك، وبينك وبين والدك، وأن تعلم يقينا أن الخير في ذلك، ولا تظن أن الدنيا ينعم صاحبها بأرض أو مال أو كنز، بل النعيم حقا في طاعة الله والعمل لمرضاته، مع عدم التغافل عن متطلبات الحياة، لكنها تأتي في المرتبة الثانية لا الأولى، قبل والدك على رأسه، واعلم أن والدك بأفعاله جعلكم في كنف الرحمن ورعايته، ولا يضيع عبد أوكل إلى ربه قط.

نسأل الله أن يوفقك لكل خير وأن يحفظ أباك، وأن يعينك على بره، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً