الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شخصيتي متناقضة وأغضب لأتفه الأسباب .. ساعدوني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شكر الله لكم جهودكم، وإخلاصكم في عملكم، وجزاكم الله خيراً على ما تقدموه لخدمة المسلمين.

أنا سيدة متزوجة، أبلغ من العمر 41 سنة، أميل إلى الجدية والعملية، مرتبة جداً، طموحة، أفتقد إلى المرح والضحك والارتجال.

مشكلتي تتمثل في شخصيتي المتناقضة جداً، فأنا عصبية وانفعالية إلى حد كبير، أغضب لأتفه الأسباب، أثور وأرفع صوتي ولكني لا ألجا إلى العنف ولا أحبه أبدا، وسيلتي الوحيدة هي الكلام في نفس الوقت، شخصيتي حساسة ومرهفة إلى أبعد الحدود، دموعي قريبة جداً، أتأثر من أي موقف يحدث معي أو مع غيري ولو بالصدفة، ينتابني غالباً شعور بعدم الرضي عن أفعالي وأقوالي؛ لدرجة أن ذلك يظهر على شكلي ويؤثر على حياتي، أتضايق من نفسي عندما أجدها في هذا الموقف أحس أنني ضعيفة وسلبية، ويستمر معي هذا الإحساس حسب الحالة من يومان إلى ما شاء الله، وربما حدث أمر آخر مشابه، فأدخل مرة أخرى في نفس الدوامة.

ولقد أصبت بالرهاب الاجتماعي منذ ثلاث سنوات، واعتزلت عن المجتمع، حتى أصبحت أتجنب الحديث مع أقرب الناس إليّ وهو زوجي! بل وأمي أيضاً، أما الأقارب والأصدقاء فرؤيتهم أصبحت عسيرة جداً، وأصبحت أختلق الأعذار كي لا أرى أحدا خوفاً من أن يلاحظ الناس ما يطرأ علي من تغيير عند مقابلتهم، لأني فعلا بمجرد ما توجه إلي إحداهن الحديث أصبح في حالة لا يعلمها إلا الله، أرتجف وتزيد دقات قلبي ويصبح نفسي ضعيفاً ويصفر لوني، هذا يجعل من حولي يلاحظون ذلك ويستغربون، مما جعلني أعتزل الناس والعمل وأجلس في البيت، وأتحسر على نفسي يومياً، خصوصاً عندما أقرا أن هذا المرض لا علاج له.

وما ذكرته لازمني من ثلاث سنوات فقط، ولكن هناك أشياء مشابهه حدثت في حياتي، مثل أنه كان يصعب علي التواجد في الأماكن العامة المنغلقة مثل الحفلات واجتماعات الأهل، وكذلك الأماكن التي حدثت لي فيها مناقشة، أو مخاصمة.

عانيت هذا منذ طفولتي وزاد ت حدته الآن وبقوة، علماً أنني لم أراجع أي دكتور نفساني ولم أتناول أي دواء يخص هذا المرض، ولا أحد يعرف بإصابتي بهذا المرض.

فأرجوك يا دكتور أن تساعدني في التخلص من هذا الوباء الذي أثر على حياتي وبد يؤثر على علاقتي بزوجي وأولادي، لا أخفيك يا دكتور أنني تفاءلت خيراً، عندما قرأت ردودك على المصابين بهذا المرض شفاهم الله، واقتنعت بضرورة أخذ العلاج حتى لو داومت عليه مدة طويلة، بشرط أن لا أدمنه، وأن لا يسبب لي السمنة أو الخمول، فهناك مرضى شفاهم الله يتعاطون علاجات كثيرة طوال حياتهم، فلماذا الخوف من هذه النقطة عند من يعانون هذا المرض؟

أرجو أن تضع في اعتبارك وجود الدواء لدينا في السعودية.
جزاكم الله خيراً، ووفقكم، وأعانكم وسدد خطاكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نوال حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.

فأشكرك على ثقتك في إسلام ويب وفي شخصي الضعيف، وأسأل الله تعالى لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

توجد قاعدة نفسية رصينة جدا فيما يخص ظهور الأعراض النفسية أو حتى الأمراض النفسية لدى الناس، هنالك ما نسميه بالعوامل المرسبة والعوامل المهيأة، وهذه يُقصد بها أن بعض الناس لديهم القابلية والاستعداد للإصابة ببعض الحالات النفسية، وتأتي بعد ذلك أحداث حياتية معينة تتضافر مع قابليتهم واستعدادهم لظهور الأعراض أصلاً، مما ينتج منه الحالة النفسية أو العرض النفسي، وأعتقد أنت مثال حي لما ذكرته، فأنت بفضل الله تعالى سيدة منضبطة وعملية، ولديك الطاقة القلقية مرتفعة جدًّا، وهذا يظهر في شكل الطموح وافتقاد المرح والضحك والارتجال، وأعتقد أن الجوانب الوسواسية أيضًا متواجدة في شخصيتك، هذه كلها أشياء إيجابية، لكن كثيرًا ما تتعب أصحابه، فأنت إنسانة منضبطة وصارمة مع ذاتك، وربما يكون لديك أيضًا عدم مرونة في قبول الآخرين كما هم، هذا غالبًا يكون مدفون في اللاشعور، وأقصد بذلك أن الإنسان كثيرًا ما يحاول أن يطبق قيمه على الآخرين، قد لا يقصد ذلك، لكن بصورة لا شعورية هذا قد يحدث، وهذا يؤدي إلى تصادم وجداني كبير مما يكون له تبعات نفسية على الإنسان.

أنا لا أعتقد أنك مريضة مرض حقيقي، لكن توجد ظاهرة مهمة، والشيء الآخر الذي لفت نظري أنك بالفعل وصلت للعمر الذي كثيرًا ما تُصاب المرأة فيه بالاكتئاب النفسي، والاكتئاب النفسي ليس من الضروري أن يأتي في صورة تتجسد في الكرب والكدر فقط، الاكتئاب قد يظهر في شكل عصبية، عدم ارتياح، وحتى الانعزال الذي ذكرته أنا أعتقد أن موضوع الرهاب الاجتماعي ربما يكون عاملاً، لكنه ليس الأساس، الأساس أعتقد أنه عسر المزاج هو الذي جعلك تفقدين الرغبة في التواصل مع الآخرين، ومن ثم ظهرت هذه العزلة مع شيء من عدم الارتياح في المواقف التي تتطلب أي نوع من التفاعل الاجتماعي، وذلك بالرغم من مقدراتك الكبيرة.

أيتها الفاضلة الكريمة: إذن خلاصة الأمر أنا أرى أنك على أعتاب الاكتئاب النفسي - هذه حقيقة يجب أن نعترف بها - وفي ذات الوقت خلفية البناء النفسي لديك بالرغم من وجود النجاحات الكبيرة التي أتصور أنك قد حصلت عليها في حياتك، لكن قطعًا الصرامة المطلقة مع الذات كانت تربة خصبة لأن تظهر عليك الأعراض النفسية التي ذكرتها.

أنا أرى أنك سوف تستفيدين استفادة كبيرة جدًّا من الأدوية المضادة للاكتئاب، وهذا لا يعني أنك تعانين من حالة اكتئابية مطبقة -كما ذكرتُ لك - لكن واضح أن القلق الاكتئابي يسيطر عليك، وكما ذكرت لك سلفًا: النساء يُصبن في مثل عمرك بمثل هذه الأعراض، وكثيرًا من هنَّ بكل أسف لا يتم تشخيصهنَّ بصورة صحيحة.

فيا - أختي الكريمة - إن تمكنت من الذهاب إلى طبيب نفسي هذا أمر جيد، وإن لم تتمكني لأسباب معلومة فهنا أقول لك أن عقار بروزاك - والذي يعرف علميًا باسم فلوكستين - سيكون الأمثل بالنسبة لك، وأطمئنك تمامًا أن هذا الدواء سليم، فاعل، لا يزيد الوزن، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية، وهو غير إدماني بالطبع.

النقطة المهمة والأساسية جدًّا لنجاح العلاج هو الاقتناع به، والالتزام به، وأن تكون الجرعة صحيحة، ومدة العلاج صحيحة أيضًا، وحين يحس الإنسان بشيء من الارتياح يجب أن يحسّن في نمط حياته، وأعتقد أن رياضة المشي مثلاً سوف تكون مفيدة لك جدًّا، أنت الحمد لله تعالى لديك مقدرات كبيرة في إدارة الوقت، هذا أعتقد أنه سوف يساعدك كثيرًا، يجب أن تخصصي وقتًا أيضًا للراحة، ولدينا في إسلام ويب استشارة خاصة بكيفية تطبيق تمارين الاسترخاء، وهي مهمة جدًّا في حياة الناس، خاصة في هذه الأزمان، ورقم هذه الاستشارة ^(2136015)، أرجو أن ترجعي إليها وتحاولي أن تطبقي ما بها، فيها خير كثير لك، وعليك بالإصرار على التواصل الاجتماعي – هذا مهم جدًّا وأنت تعرفين قيمته سلفًا -.

جرعة البروزاك هي أن تبدئي بكبسولة واحدة يوميًا، يتم تناولها بعد الأكل، وبعد شهرين اجعليها كبسولتين في اليوم، وهذه هي الجرعة العلاجية المطلوبة في حالتك، استمري على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفضها لكبسولة واحدة لمدة خمسة أشهر، ثم اجعليها كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم كبسولة واحدة كل ثلاثة أيام لمدة شهر آخر، ثم توقفي عن تناول الدواء.

أيتها الفاضلة الكريمة: هذه المدة العلاجية ليست طويلة، وهي معقولة جدًّا.

بالنسبة لسؤالك حول تخوف الناس من الأدوية: هذا ناتج لمفاهيم خاطئة في معظم الأحيان، والمرض يجعل الإنسان يتردد، والقلق يجعل الإنسان يقلق حتى من الدواء.

نقطة أخيرة: أرجو أن تقومي بإجراء بعض الفحوصات الطبية وذلك فقط من أجل التأكد، وهذه الفحوصات تشمل معرفة وظائف الغدة الدرقية، وكذلك التأكد من فيتامين (ب12) وفيتامين دال، وإن قمتِ بإجراء الفحوصات التكميلية أيضًا هذا أمر جيد، وأعني بها: وظائف الكبد ووظائف الكلى، ومستوى الدهنيات ومستوى الهيموجلوبين والسكر.

أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد، وأشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً