الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تقدم لي شاب على خلق ودين لكنه أسمر اللون.. كيف أقنع أهلي بقبوله؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هناك شاب يحب أن يتقدم لي للزواج ذو أخلاق حميدة ومتدين، ويصلي كل صلاة في وقتها، وابن عائلة محترمة متدينة، أكمل دراسته، ولديه وظيفة، وفيه كل صفات الزوج النبيلة، وكل الناس تشهد بهذا، لكني بيضاء البشرة، وهو أسمر البشرة، فهل يجوز لي أن أتزوج به؟ وكيف أقنع أهلي بهذا؟ علما أني والله مرتاحة لهذا الشخص، ومقتنعة به، ولست متضايقة؛ لأنه أسمر، لكن عائلتي إيمانهم بالله ضعيف جدا، وسيرفضون الشاب ويقطعون نصيبي.

وأيضا والدي (أبي) شارب للخمر والمخدرات، رجل غير صالح في دينه وعائلته، ويحب التباهي والتفاخر، وحياتنا كلها مشاكل وأحزان وهموم ....

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ هنادي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك ابنتنا الفاضلة في موقعك، ونسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يلهمك السداد والرشاد، ونشكر لك هذا التواصل مع موقعك، ونحن في خدمة أبنائنا والفتيات، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.

وكم تمنينا أن يزول هذا الجهل من الآباء والأمهات، فإن العبرة بدين الشاب وليس بلونه أو شكله أو أمواله أو عقاره، لأن النبي - عليه الصلاة والسلام – هو القائل: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) والأخلاق الفاضلة واضحة متمثلة في هذا الشاب، فهو صاحب خلق وصاحب دين، ويشهد له الناس جميعًا بأنه صاحب أخلاق ودين، وأنه أيضًا ابن عائلة محترمة متدينة، وأنه نال الشهادات العلمية، وأكمل دراسته، وله وظيفة.

فكل الصفات التي تتمناها أي فتاة موجودة فيه، ومع ذلك فإنك تخشين رفض الأهل نسبة للون بشرته، ولذلك نحن نتمنى أولاً أن تتوجهي إلى الله تبارك وتعالى، ثم عليك أن تطلبي معونة العقلاء والفاضلات من محارمك، ومن أهلك ومن الدعاة الذين لهم تأثير على الأسرة حتى يساعدوك في إقناع الأسرة، وفي كل الأحوال ينبغي لهذا الشاب أن يكرر المحاولات، بعد أن يتوجه إلى رب الأرض والسموات، وعليه كذلك أيضًا أن يحضر من يشهدون له بالفضل ومن يعرفونه من الناس بألوان مختلفة وأشكال مختلفة من الوجهاء، لأن هذا من الوسائل التي لها أثر كبير جدًّا في قبول الأسرة، ولا ننصحه بأن يأتي وحده بهذه الطريقة، ولكن ينبغي عندما يأتي إليك ليتقدم ينبغي أن يحضر معه مجموعة من الوجهاء والدعاة والعلماء والفضلاء، وكذلك يأتي بزعماء وكبار من قبيلته أو من أهله الذين لهم وضع في المجتمع، فإن الناس يهتموا بهذه المسائل.

والحقيقة أن الزواج ليس بين شاب وفتاة، إنما هو تلاقي بين أسرة وأسرة، بين قبيلة وقبيلة، بين جماعة وجماعة، فإذا جاء بأصحاب الوجهاء فربما يكون في أهلك من يتعرف عليهم أو يعرفوا منهم أو تكون بينهم صلات أو زمالة في الدراسة أو نحو ذلك، وأيضًا هذا يكسر كثيرا من الحواجز عندما يأتي الناس بهذه الطريقة، فعليه أن يُحسن عرض نفسه، ويُحسن اختيار الذين سيأتون ليتكلموا بلسانه، وأنت أيضًا ينبغي أن تتهيئي وتهيئي الوالدة – مثلاً - والأعمام والعمات، ومن تستطيعي أن تصلي إليه حتى يستوعب هذه الفكرة ويكون عونًا لك على القبول بهذا الشاب عندما يأتي.

وقد أحسنت فأنت فعلاً بحاجة إلى الخروج من هذا الأب الذي لا يراعي الله تبارك وتعالى، وطبيعي إذا كان يتناول المخدرات والمسكرات، فإن هذه أم الخبائث، فإن بقية الذنوب تصبح صغيرة – عياذًا بالله – أمام هذه المصائب التي يقع فيها.

كذلك نوصي الشاب بأن يكرر المحاولات، لا يقف عند محاولة واحدة، وهو بلا شك يتوقع مثل هذا الرد ومثل هذا الرفض، لكن العبرة برأيك أنت، فإن الشريعة تبني على رأي الفتى والفتاة، وإذا شعر الشاب أن الفتاة حريصة عليه وأنها قابلة به فإنه يستطيع أن يُقدم الكثير من التنازلات والتضحيات في سبيل إكمال هذا المشوار.

ونحن نتمنى أن يكون هذا الشاب متفهما، وقطعًا هو متفهم لما في المجتمع من جهالات، ولما في المجتمع من تقصير، ونحن نتمنى أن نذكر الجميع بأن هذا الإسلام العظيم الذي يجمع الناس على العقيدة، والذي يجعل المعيار هو العقيدة والأخلاق والدين هو الذي ينبغي أن نتمسك به، وقد تزوج بلال - رضي الله عنه – من أخت عبد الرحمن بن عوف، وزوّج النبي - صلى الله عليه وسلم – بنت عمته زينب بنتُ جحش من مولاه زيد ابن حارثة - رضي الله عنهم وأرضاهم – وزوّج أسامة بن زيد بفاطمة بنت قيس، وغير ذلك مما صار بين الصحابة الكرام، الذين زالت عندهم مثل هذه الفوارق، حتى ذهب بلال وصُهيب وسلمان إلى بعض بيوت العرب وقالوا: (كنا مملوكين فأعتقنا الله، وكنا ضالين فهدانا الله، فإن تزوجونا فالحمد لله، وإن تردونا فسبحان الله) فقيل لهم: (بل نزوّجكم والحمد لله) أو كما جاء في الأثر.

فلما تمكن هذا الدين زالت مثل هذه الفوارق الوهمية، فالناس لآدم وآدم خُلق من تراب:
لينتهينَّ أقوام يفتخرون بآبائهم أو ليكونُنَّ أهون وأحقر عند الله من الجِعلان.

فالناس من جهة الآباء أكفاء *** أبوهم آدم والأم حواء
فإن يكن لهم من أصلهم *** شرفٌ يفاخرون به فالطين والماء
ما الفضل إلا لأهل العلم، إنهمُ *** على الهدى لمن استهدى أدلاء
فقم بعلم ولا تبغي به بدلاً *** الناس موتى وأهل العلم أحياءُ

إذن نحن لآدم، وآدم من تراب، والإنسان إنما يرتفع ليس بماله وليس بشكله، وإنما يرتفع بتقواه لله، {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} يرتفع بأدب وأخلاقه، يرتفع بعمله الصالح، يرتفع بعلمه الذي ناله، هذه هي الأشياء التي يكسبها الإنسان إذا أراد بها وجه الله وكانت في طاعة الله فإنه يرتفع بهذه الأشياء التي هي من كسبه.

أما اللون فليس من كسب الإنسان، الله الذي خلقنا هكذا، وما سئل أي واحد منا قبل أن يولد: أي لون تريد وأي شكل تبتغي، لكنها أشياء يُقسمها الله تبارك وتعالى بين عباده، ولا تصلح مكانًا للتفاخر والتباهي بين الناس.

هذا الإسلام الذي رفع سلمان *** فارسٍ، ووضع الشريف أبا لهب
فإن الإسلام أزال مثل هذا الجهل، مثل هذه التصورات، وأعتقد أن مسؤولية الشباب والفتيات - من المتعلمين - كبيرة في إزالة مثل هذه الأشياء التي لا يرضاها هذا الدين العظيم الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.

نحن عمومًا نتمنى أن يقدر الله لك الخير ثم يرضيك به، هو ولي ذلك والقادر عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً