الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خوف من الأماكن المزدحمة والدوائر الحكومية.. هل من حل لمشكلتي؟

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم

في البداية أشكركم على هذا الموقع الرائع، أنا شاب عمري (20) عاما، لا أخرج كثيراً من البيت، عندي خوف من الأماكن العامة والدوائر الحكومية ومواجهة الغير، فمثلا عندما أكون في سوق أو مجمع أشعر أن الجميع ينظر لي، بالإضافة لشعوري أني غير حسن المظهر، وأن الجميع ينظر لي بازدراء، وأقوم ببعض التصرفات اللاإرادية، مثل أكل أظافري أثناء تجولي في السوق، والتعرق الشديد، والخجل، حتى أني أتوقف عن الذهاب إلى مثل هذه الأماكن في الفترة الأخيرة.

عندما تكون هناك مراجعة في دائرة حكومية لوالدي أو والدتي أحاول أن أتهرب دائما من الذهاب، وأطلب من أخي الأكبر الذهاب عوضاً عني، أيضا عندما أكون في دائرة عامة كمستشفى مثلا، أشعر بخوف وارتباك وبعدم قدرتي على تحمل المسئولية، لا أعلم إلى أين أذهب؟ إلى قسم الطوارئ مباشرة أم أولا علي أخذ ورقة من سنترال المستشفى، والمستشفى مجرد مثال: هذا الأمر يتكرر في كل الدوائر الحكومية والأماكن العامة.

في الفترة الأخيرة أفكر في الزواج، ولكن أشعر بأنني غير قادر على تحمل المسئولية، وأتخيل مواقف كثيرة جداً قد تحدث معي مثل أن تتعطل سيارتي في طريق سفر أنا وزوجتي ونكون خارج تغطية الجوال، ولا أدري كيف أتصرف إزاء هذه الموقف، وماذا علي فعله؟

للمعلومية: هذا الخوف يتضاعف ويصل ذروته عندما تكون معي أخواتي أو والدتي -فقط النساء- والسبب هو شعوري بالمسئولية تجاههم، هل من حل لمشكلتي؟ جزاكم الله عني كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ كريم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإن شرحك جيد جدًّا لحالتك، والتفاصيل التي أوردتها مفيدة، وأستطيع أن أقول لك أنك تعاني من قلق المخاوف، ويتمثل هذا القلق فيما نسميه برهاب الساحة، وهو الخوف من الأماكن المزدحمة، ولديك أيضًا عنصر بسيط مما نسميه بالرهاب الاجتماعي، وهذا النوع من المخاوف دائمًا يكون مصحوبًا بشيء من الوساوس والتردد، وهذا يظهر جليًّا في موضوع شعورك بأنك غير قادر على تحمل المسؤولية، هذا نوع من الوسواس التلقائي المصاحب للمخاوف.

إذن حالتك هي حالة قلق المخاوف بالجزئيات التي ذكرتها، وأعطيناك المسميات العلمية لها، المهم في الأمر هو أن تفهم أن هذه الحالة هي حالة واحدة وليست تشخيصات متعددة، والعلاج - إن شاء الله تعالى – ليس بالصعب، لكن لنجاحه يتطلب تحمل المسؤولية حيال العلاج، والاقتناع به وتطبيقه.

وأهم خطوة في العلاج هي أن تحقر فكرة الخوف تحقيرًا تامًا، وهذا يجب أن يستصحب بما نسميه بتغيير المفاهيم، وتغيير المفاهيم هذا يعني أنك حين تحس أنك مراقب من قبل الآخرين - أو أنك مصدر للاستهزاء والاستخفاف من جانبهم - تذكر أن هذا الشعور ليس صحيحًا، وهو بالفعل شعور خطأ، لا أحد يراقبك، لا أحد يلاحظك ويشاهد مظهرك العام، أنت لا تتلعثم أمامهم كما تتصور.

الخطوة الثانية: هي أن تحقر أصلاً فكرة الخوف، وأن تصر على المواجهة، والمواجهة ليست صعبة، لكن يمكن أن تكون تدريجيًا ومتصلة، اذهب مثلاً إلى دائرة حكومية معينة يكون عدد الموظفين فيها قليلا، وفي اليوم الثاني اذهب إلى دائرة أخرى أو أحد الأسواق مثلاً – وهكذا – هذا يسمى بالتعريض، والتعريض مهم جدًّا كوسيلة علاجية ممتازة.

علاج آخر هو أن تطبق تمارين الاسترخاء، وقد وفرنا استشارات بها معلومات عن كيفية تطبيق هذه التمارين، فهي مفيدة جدًّا، أرجو أن ترجع إلى أحدها تحت رقم (2136015).

الجزء الأخير في العلاج هو العلاج الدوائي: الأدوية المضادة للمخاوف مطلوبة، وهي جيدة وفاعلة وسليمة، من أفضل هذه الأدوية دواء يعرف تجاريًا باسم (لسترال) أو (زولفت) ويسمى علميًا باسم (سيرترالين)، والجرعة المطلوبة في حالتك هي أن تبدأ بنصف حبة – أي خمسة وعشرين مليجرامًا – تناول هذه الجرعة التمهيدية لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعلها حبة كاملة، تناولها ليلاً بعد الأكل، استمر عليها لمدة شهر، ثم ارفع الجرعة إلى حبتين ليلاً، استمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضها إلى حبة واحدة ليلاً لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم اجعلها نصف حبة ليلاً لمدة شهر، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم يمكنك التوقف عن تناول الدواء، والدواء دواء سليم وآثاره الجانبية بسيطة جدًّا، وهو غير إدماني وغير تعودي، وتوجد أدوية أخرى مفيدة جدًّا.

بالطبع إذا استطعت أن تقابل طبيبا نفسيا هذا أيضًا سيكون أمرًا جيدًا وممتازًا، والمتابعة لمثل هذه الحالات – أي المتابعة الطبية النفسية – دائمًا ذات جدوى كبيرة.

نصيحة أخيرة، هي: أن تعتمد أيضًا على ما نسميه بالتمازج الاجتماعي الحياتي المفيد، الحرص على صلاة الجماعة مثلاً في المسجد مفيدا جدًّا، حضور حلقات التلاوة ذات قيمة علاجية كبيرة لحالتك، ممارسة أي نوع من الرياضة الجماعية أيضًا فيها فائدة، الانخراط في نشاط طلابي ثقافي أو اجتماعي، أيضًا يعود عليك بخير كبير، ومن المهم جدًّا أن تركز على دراستك، وأن تضع أهدافًا واضحة وتضع المدخلات التي توصلك إلى هذه الأهداف - بإذن الله تعالى - .

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً