الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل طاعة الوالدين تتعلق بسن محدد؟

السؤال

سؤالي عن حدود طاعة الوالدين, طبعا بما أننا مسلمون فالطاعة شيء مقدس بالنسبة لنا, وأمرنا بها القرآن والسنة, وطبعا أعرف أن الطاعة واجبة إلا أن يأمرونا بشيء نهى الله عنه, لكن سؤالي عن الأشياء الدنيوية, مثل تحديد تخصص دراسي, أو عمل أو سفر أو غيرها, هل الطاعة واجبة؟

وأريد أن أعرف هل العمر يختلف, يعني مثلا لو كان عمري 18 عاما هل تجب علي الطاعة عن لو كان عمري 40؟ وأيضا بعض الآباء -هداهم الله- يكونوا متزمتين متسلطين حول رأي معين, يعني مثلا يقول لا تفعل الشيء الفلاني، ما رأي الشرع الكريم فيمن يقول لهم لن أفعله لكن من دون علم والديه يفعله؟

أنا لا أدخن, ولكن أستخدم المعسل (الأرقيلة الشيشة) تقريبا مرة واحدة كل شهر, سؤالي: عند تقدمي للزواج, أواجه بسؤال: هل أنت مدخن (وأعتقد أن أغلب الناس لا تعتبر المعسل من الدخان), فأحرج بالإجابة فما رأيكم؟ وهل أكون آثما لو قلت لا؟ حيث أنني فعلا لا أدخن.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ رائد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فمرحبا بك أخي الفاضل في موقعك إسلام ويب, وإنه ليسرنا تواصلك معنا, ونسأل الله أن يبارك في عمرك, وأن يحفظك من كل مكروه.

أخي الفاضل: لا يخفاك أن المسلم مأمور بطاعة والديه وبرهما بكل طريق ممكن، وبالقدر الذي لا يلحق به ضررا، هذا بالطبع لا يكون إلا فيما أحل الله وأباح, وأما إذا أمر بمعصية الله تعالى فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا يجب طاعتهما مع الإحسان إليهما حتى وإن كانا كافرين، كما قال تعالى عن الأبوين: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً﴾ [لقمان:15].

وأما حديثك فهو منصب عن الأمور الدنيوية التي هي من مسائل المباحات، مثل أن يأمرك بأمر يعرف هو عاقبته وأنت موقن بخطأ ذلك، وقبل أن نجيبك أخي الحبيب نحب أن نلفت انتباهك إلى عدة أمور:

1- كن على يقين أن أحدا في الكون لن يحبك كحبهما, ولن يخاف عليك كخوفهما، فهو حب فطري لا يرجوان من ورائه مقابلا.

2- تذكر دائما أنك كنت ضعيفا, وكانا يصبران عليك, ويرجوان فلاحك, وجزاء الإحسان هو الإحسان.

3- نرجو منك أن تقرأ عن فضل برهما, والآيات والأحاديث في هذا المضمار كثيرة, فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم يقال للعاق اعمل ما شئت من الطاعة فإني لا أغفر لك، ويقال للبار اعمل ما شئت فإني أغفر لك" أبو نعيم في الحلية " وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار، وليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة " الحاكم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو علم الله شيئا من العقوق أدنى من أف لحرمه، فليعمل العاق ما شاء فلن يدخل الجنة، وليعمل البار ما شاء فلن يدخل النار" الديلمي في مسند الفردوس.

4- كما تدين تدان, وكما تحب أن يعاملك ولدك عامل أبويك.

وأما سؤالك: فإذا ترتب عليه ضرر حتمي يقع عليك فعليك ابتداء أن تجلس إلى أبويك, وتحاول الإقناع بكل الطرق الممكنة المياشرة, أو غير المياشرة, كأن ترسل إليه من يحدثه ممن يحب، وليس واجبا عليك طاعتهما فيما يضرك, مع وجوب الإحسان إليهما.

سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين فأجاب: لا يلزم الابن أن يطيع أبويه إذا أمراه بطلاق زوجته؛ لأن هذه تتعلق برغبة خاصة بالإنسان، ولا يلزمه أن يقبل ما أمره والداه به من مفارقة الزوجة، كما لو قالا له: لا تأكل من هذا الطعام، لا تأكل لحما، لا تأكل أرزا، لا تأكل الشيء المعين، وهو مما يشتهيه، فلا يلزمه طاعتهما في ذلك؛ لأنه لا مصلحة لهما في ذلك، وفيه ضرر عليه لفوات محبوبه. فكذلك إذا قالا: طلق زوجتك. لا يلزمه طلاقها إلا بسبب شرعي معلوم يقر به الزوج، فهنا يلزمه - لا من أجل أمرهما - حتى لو كانا لم يأمراه بذلك.

وربما يورد مورد علينا قصة عبد الله بن عمر مع أبيه رضي الله عنهما، حيث أمر عمر ابنه عبد الله أن يطلق زوجته، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله أن يطلقها. والجواب عن هذا: أن هذا الإيراد أورد على الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله, الإمام المشهور حيث سأله سائل فقال: إن أبي يأمرني أن أطلق زوجتي. فقال له: لا تطلقها. فأورد عليه حديث عمر، فقال له الإمام أحمد جوابا سديدا، قال: وهل أبوك عمر؟ أي: هل أبوك مثل عمر لا يأمر إلا بشيء لا بد منه؟ فالجواب: لا، وإذا كان الجواب بالنفي فلا يصح القياس.

وعلى الوالدين أن يتقيا الله عز وجل، وألا يفرقا بين الرجل وزوجه؛ لئلا يكونا مثل السحرة الذين يتعلمون من الشياطين ما يفرقون به بين المرء وزوجه، وإذا رأى الابن أن الحال لن تستقيم بوجود الزوجة مع الأم في بيت واحد، ففي هذه الحال يخرج من البيت هو وزوجته وينفردان عن الأم، قد يقول: لا ترضى الأم أن أنفرد بزوجتي في بيت آخر، نقول: وإن لم ترض فيقال لها: إما أن تحسني العشرة, وإما أن أخرج. ولكن مع ذلك لا يظن ظان أننا نرجح في هذه الحال جانب الزوجة، فلو فرض أن الزوجة تسيء إلى الأم، فإن الواجب على الزوج أن ينهاها ويؤدبها.

وبخصوص العمر ، فكلما كبرا في السن أو ضعفا كلما وجب الإحسان والبر إليهما.

وأما أمر المعسل وجوابك على من يسألك هل تدخن أم لا, وأنت تشرب المعسل, وتسأل هل أكون آثما أم لا؟ فقطعا ستكون غير آثم لو امتنعت عن المعسل. وهذا ما ينبغي أن توجه إليه اهتمامك، كيف تترك هذا العادة السيئة، فالأمر بيّن وأنت تعلم أنهم لو علموا بالمعسل سيكون فيه حرج عليك, والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس.

نريد ونحن مقبلون على رمضان أن نجتهد أخي الحبيب في الابتعاد عن هذه الآفة, والله يعينك, ونحن سعداء بتواصلك معنا والله الموفق

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً