الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد زواج أبي بالثانية كثرت المشاكل بينه وبين أمي

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

منذ أن كنت صغيرة في الصف الرابع الابتدائي تزوج أبي على أمي زوجة ثانية، ومن بعدها بدأت المشاكل، والزوجة الثانية تقوم بتحريش أبي على أمي وعلينا نحن البنات والأولاد، كل سنة تكرّهه في واحد منا، والآن صارت المشاكل بين أمي وأبي كثيرة جداً بخصوص النفقة، فهو لا يصرف على أمي في ملبسها ولا نحن بناته، ويمنّ علينا إذا اشترى الأكل، ويقول أنا اشتريته بكذا بمبلغ وقدره، لا يحترم أمي ولا يقدر مشاعرنا، لدرجة أحس أنه لا يحبنا ولا يريدنا، ويقول لأمي لولا حشمة عيالك ما بقيت عندي ساعة، وإذا حاولت أهدي أمي وأنصحها لا تسمعني، وكذلك أبي، أحياناً تأتيني وسواس أذبح زوجة أبي حتى تنحل هذه المشاكل؛ لأني أحس أنها هي السبب، أريد حلاً لهذه المشاكل، وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

بداية نرحب بك، ونسأل الله تعالى أن يسهل أمرك، وأن يقر عينك بإصلاح الحال بين والديك، وأن يلهمهما السداد والرشاد، ونحمد الله أنك أصبحت في سن كبيرة فأنت جامعية، وهذا السن يؤهلك -إن شاء الله- لإدارة الأمور بوعي وحكمة وصبر، وعليك أن تعلمي أن المكر السيء لا يحيق إلا بأهله، فلا تحزني -يا بنيتي- مما تفعله زوجة الأب، فالإنسان الذي يفعل الخير سيجد الخير، والذي يفعل الشر لن يجد إلا الشر، وإذا حفر الإنسان حفرة لأخيه فسيقع فيها يوماً، فاتركي هذا الأمر لله تبارك وتعالى، وإذا أساءت زوجة الأب فكونوا أنتم على الإحسان والخير؛ لأن الإنسان يتعامل مع الذي يعلم السر وأخفى سبحانه وتعالى، وسيأتي اليوم الذي يفتضح فيه أمر هذه المرأة التي تسيء والتي تشعل النيران، والتي تحرض الوالد عليكم -كما ذكرت-.

واعلمي أن إرضاء الوالد والإحسان إليه من واجبات الشريعة، كما أن إرضاء الأم والمبالغة في برها والإحسان إليها من واجبات الشرع، فالشرع يطلب منك ومن إخوانك وأخواتك أن تطيعوا الأب ولا تعصوا الأم، فيجب أن تطيعوا الأب وتحسنوا إليه؛ لأنه يظل والدكم مهما كان، رضيتم أم أبيتم، وكذلك لابد من الإحسان للأم والشفقة عليها والعطف عليها، فإن الجنة تحت قدميها، إذن أنا أريد أن تتعاملوا بالمعايير الشرعية، وأن تقيموا هذا التوازن، وحاولوا أن تقتربوا من الوالد حتى تفوتوا الفرصة على زوجته التي تحاول أن تسيء وتباعد بينكم وبينه، فلا تتركوا لها هذا الأمر، فأحسنوا إلى والدكم، وأحسنوا استقباله، واشكروه على كل ما يأتي به، وبينوا له مشاعركم الفعلية تجاهه، فهو أب، وحاولوا أيضاً أن تسترضوا الوالدة وتذكروها بالله تعالى، وتبينوا لها عواقب هذا الخلاف الذي يحدث ويشتد بينهما، وطبعاً هذه أشياء طبيعية، وجود الغيرة معروف، لكن لابد أن يكون كل شيء بقدر، و الغيرة دليل على الحب، لكنها إذا تجاوزت أصبحت مشكلة.

كذلك أيضاً لابد أن تدرك الوالدة ويدرك الوالد أنكم تتضررون من هذا الخلاف الحاصل بينهما، فأرجو إيصال الرسالة للطرفين، كذلك عليها أن تتجنب جوانب الاحتكاك به، وعليكم كذلك ألا تتأثروا بالكلام الذي يصدر من هنا أو هناك؛ لأن هذا كلام يصدر في حالة خصام، والإنسان في حالة الخصام يقول من الكلام ما يندم عليه، والشيطان يسيطر على الغضبان فيجعله يتكلم بكلام مثل السكران، فالشيطان ينال من الغضبان ما يناله من السكران، فالكلام الذي بين الوالد والوالدة من كلام جارح أو نحو ذلك ينبغي أن يوضع في هذا الإطار، صحيح هو مزعج، لكن لأن الأصل أنهم على خلاف، ودخول تلك الزوجة إلى حياة الأسرة هي سبب هذه المشاكل، فعليكم أن تعاملوا الوالد بهدوء، وحاولوا أن تبينوا له الأمور بوضوح، وأنت في سن ناضجة عاقلة -ولله الحمد- لابد أن تظهري للوالد البر والإحسان، وحاولي أن تصححي الصورة، فإذا كرّهته في واحدة منكن أو كذا ينبغي أن تصححوا الصورة، واقتربوا منه.

أحسب أن هذا الوالد على خير إذا كان هو ينفق أو يصرف، وكونه يمن عليكم، هذا دليل على أنه لا يوجد مقابل، فاشكروه إذا جاء بشيء، واشكروه على كل إحسانه، وقدروا له هذا التواصل وهذا الحرص، ولا تهتمي بالكلام والخلاف الذي يحدث بينهم، وأكثري من الدعاء للوالد والوالدة؛ لأن مصلحة الاسرة في أن تكون العلاقة جيدة، أو على الأقل تكون الأمور هادئة، فعليكم أن تتجنبوا ما يثير الاحتكاكات، واحرصي أنت أيضاً على أن تكوني عنصر خير ينقل المشاعر النبيلة، فإذا قالت الأم: كان والدك طيباً وكذا كذا، فقولي للوالد: الوالدة تقول كنت طيباً وأنت لازلت طيباً؛ لأن هذا شغل المؤمن، ينمي خيراً وينقل خيراً، وإذا الوالد قال: أمكم ما قصرت معنا وكنا سعداء، فقولي للوالدة: يقول الوالد أنت ما قصرت، فانقلي هذا الجزء فقط؛ لأن هذا هو دور المسلم، حتى تطيب النفوس، والزيادة هنا مطلوبة، يعني لو أخذت كلمة طيبة وزدت عليها أربع كلمات أو أكثر، فإن هذا من المسموح به شرعاً، نضخم الكلام الإيجابي ونعرضه على الطرف الثاني حتى تهدأ النفوس.

بالنسبة للوالدة: أيضاً حاولي أن تنصحيها بالمعايير الشرعية، وحاولي أن تختاري الأوقات المناسبة لنصحها، وحاولي أن تعطيها هذه الطريقة، فإننا ننصح أي امرأة زوجها له زوجة ثانية، أن تجعل بيتها بيئة جاذبة، تجعل كلامها جميلاً؛ لأن الرجل يريد المكان الذي يرتاح فيه، يحب الكلام الذي يسمع فيه خيراً، يحب الكلام الذي يشكر فيه، فعليها أيضاً أن تتغير وتقدر هذا الجانب في هذا الحرص على الإنفاق والبذل والصرف عليكم، رعاية هذه الأمور ينبغي أن يشكر عليها، وعندها سيأتينا المزيد.

أنت -ولله الحمد- حكيمة، والدليل على ذلك أنك أحسنت عرض المشكلة، وتواصلت معنا، ونحن على استعداد إذا تواصلتم معنا، حتى تتضح الرؤيا أكثر، نتعاون جميعاً من أجل حياة سعيدة لك ولأسرتك.

نحن نحذرك من الإقدام على إيذاء زوجة الأب، فلا تفكري في إيذائها؛ لأن هذا قد يجلب عليك خسارة الدنيا والآخرة، وارفعوا أمركم إلى الله، فإن الله هو المنتقم من كل ظالم، ونسأل الله لكم التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً