الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتخلص من عصبيتي وضعف شخصيتي؟

السؤال

بارك الله فيكم وجزاكم كل خير.

أنا أصغر إخوتي في المنزل, لذا أفرط والداي -جزاهما الله خيرا- في تدليلي, فنشأت مند الصغر آمر وأنهى كما أريد, وأغضب لأتفه الأسباب, كنت بفضل الله متفوقة في دروسي, لذا أهلي كانوا سعداء (بالرغم من دلعي الشديد) ويفتخرون بي.

للأسف كبرت ومازلت على حالي, وإخوتي وأخواتي راضون يسمعونني عندما أغضب ويبقون ساكتين, وبعد أن أُفرغ جميع ما عندي من شتم وأي شيء أستغفر وأغضب من نفسي كثيرا, وبعدها أحدثهم أنني لا أدري ما أفعل لنفسي, وهم يقولون إنهم لا يغضبون لأنهم يعلمون أن قلبي أبيض ولا أقصد شيئا مما قلته, ويدعونني لئن أحاول أن أصلح نفسي لكني لا أستطيع.

تطور الأمر إلى درجة أني عندما أغضب أشعر بأن بطني تغلي, وأحس بعدم الارتياح وأبكي, ولقد حاولت عدة مرات عندما أغضب من أحد أن أنسى الموضوع؛ لكي لا أقول عنه -من ورائه- شيئا غير لائق, مثل غبي ومتخلف لكني لا أستطيع وبذلك أضيف لذنوبي المزيد (أسأل الله أن يغفر لي).

المشكلة الأخرى أني لا أحب أن يقول أحد عني كلمة سيئة أبدا, ولا أن يصرخ علي؛ لأنني حينها فورا أكرهه, ولا أنساها له إلى الآبد, حتى لو كانت أختي (أظن أنني أنانية).

أيضا أنا ضعيفة الشخصية, وأتأثر بآراء الآخرين كثيرا, وإلى أن وصلت الثانوية كانت أختي تتخذ لي القرارات الشخصية, لذلك لا أثق بنفسي أبدا, ولا أستطيع أن أتكلم أمام زملائي, وأتلعثم بكلامي, وتطير كل المعلومات من رأسي, ولا أستطيع أن أجاوب على أي سؤال أمام الناس, لذا من لا يعرفني يعتقد أني بليدة مع أني غير ذلك, والآن في مجال العمل تقريبا أنا أكثر واحدة متفوقة علميا (جامعتي قليل من يدخلها أصلا لأنها أعلى الجامعات).

ومع هذا عندما يطرح سؤال يشيرون إلي, لكني لا أجاوب حتى على أسهل الأسئلة, وعندما أجلس مع نفسي أتذكر الإجابة وأتحسر على ما حدث؛ لأني بذلك فقدت ثقتي بنفسي أمام الآخرين, وقد اشتريت عدة كتب لتقوية الشخصية ولكن اختلطت علي كل الأمور.

أنا طيبة القلب, وأحب أن أساعد الآخرين من كل قلبي ( إلا لمن أساء إلي يوما ما فإني أكرهه فورا), أقول لنفسي أنا أعمل الأشياء لله, وأسامح الآخرين لأن الله عليم بكل شيء, لكن لا أستطيع حتى أنتصر لنفسي.

أنا ملتزمة بحجابي, وأحفظ القرآن, وأعمل في وظيفة إنسانية, ومرموقة اجتماعيا, أنا أيضا حساسة جدا لذلك ليس لدي أصدقاء كثر, لدي أصدقاء مقربون فقط.

كيف أعالج عصبيتي الزائدة؟ وهل يمكن أن تقوى شخصيتي أم ليس هنالك حل؟ ألا تعتقدون أن شخصيتي متناقضة؟ أنا أعتقد ذلك؛ لذا عندما أبدأ في إصلاح نفسي لا أدري ماذا أفعل؟
اللهم حسن خلقي يارب.

أرجو الرد بسرعة, واعذروني على الإطالة.

جزاكم الله عني كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حائرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فلا شك أن الإنسان من الناحية الوجدانية والمعرفية وسمات الشخصية هو خليط من الخير والشر، خليط من الأنانية والإيثار، خليط من الحساسية والقبول والتحمل والصبر... وهكذا. فإذن هذه الأبعاد المتناقضة متواجدة لدى كل إنسان، لكن في بعض الأحيان قد يتغلب قطب على الآخر، وهذا هو الذي يكوّن سجايا الإنسان وسماته.

الجيد في موضوعك أنك مدركة تمامًا لسماتك الشخصية -والحمد لله- أنك تخطيت عقبة النكران والتبرير, ووصلت إلى درجة سلوكية ممتازة، وهي ما نسميه بـ (فضح الذات) أي أن ذاتك الآن منكشفة أمامك الآن، وأعتقد من خلال هذا تستطيعين أن تضعي الأمور في نصابها الصحيح.

أنت محتاجة لشيء من الحزم مع ذاتك، وذلك للتصدي لما هو خطأ وعدم قبوله, وتحقيره ورفضه تمامًا، وفي ذات الوقت تنمية ما هو إيجابي, من خلال ذلك إن شاء الله تعالى تصلين إلى درجة من الرضا.

بالتأكيد التغيير لا يمكن أن يكون سريعًا، التغيير يأتي ببطء لكنه أكيد إذا كان هنالك جدية في أن يتغير الإنسان.

أنا لا أستطيع أن أقول أنك تعانين من اضطراب حقيقي في الشخصية، لكن أتفق معك في ذات الوقت أن التناقضات هذه هي التي جعلتك تشعرين بهذه المشاعر؛ التي أدت إلى شيء من عسر المزاج والعصبية وعدم الارتياح.

أنت لديك إيجابيات كبيرة وعظيمة ومتفوقة، وبما أنك في مجال الطب لا شك أن لديك القدرة للتواصل مع طبيبة نفسية, وأخصائية نفسية، أنا أعتقد من خلال بعض الجلسات النفسية المعرفية التي تؤدي إلى تطبع جديد سوف تستفيدين منها كثيرًا.

وفي ذات الوقت تناول دواء مضاد للقلق والتوترات أعتقد أنه سيكون أمرًا جيدًا، وهذا بالطبع يمكن أن تصفه لك الطبيبة النفسية حين تقومين بمقابلتها.

هنالك مبادئ سلوكية عامة أنت على إدراك لها، ولكني أذكرها لك من قبل التذكير:

أولاً: الإنسان حين يتعامل مع الآخرين يجب أن يسعى لقبولهم كما هم، هذا في كثير من الأحوال، هذا ليس وضعًا مثاليًا أن أقبل الناس كما هم وليس كما أريد، لا أقول أنه وضع مثالي, لكن أعتقد أنه هو الأنسب في مثل حالتك.

ثانيًا: ما وصفته بالأنانية والتدليل في الصغر، يجب أن يكون خبرة إيجابية تستفيدين منها لتعيشي حياتك بشيء من العطاء, والإيثار, والصبر, وتحمل الأذى، وأن تكوني كاظمة للغيظ, ولا شك أن الإنسان الذي يعمل في المجال التطوعي, والمجال الخيري يتربّى تربية شخصية جميلة جدًّا.

فحفظك لكتاب الله, وعملك في الوظيفة الإنسانية والمرموقة اجتماعيًا, أعتقد أن ذلك خير تطبيق عملي للكثير من سجايا الشخصية، وأنا أريدك أيضًا أن تفكري دائمًا فيما هو إيجابي في حياتك، فأنت لديك أشياء جميلة وطيبة، ولا أريد أبدًا أن تكون هنالك قسوة من جانبك في تقييمك لذاتك.

هنالك من يحقر نفسه أكثر مما يجب، هنالك من يعظم نفسه أكثر مما يجب، وكلاهما خطأ، الإنسان يجب أن يفهم ذاته، ويجب أن يقيم ذاته ثم يقبلها ثم يسعى لتطويرها، وهذا هو المطلوب.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، ونشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً