الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أرغب بالزواج من مطلقة ولكني أخشى رفض أهلي، فمباذا تنصحون؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أريد أن أتزوج فتاة مطلقة، وهي كانت متزوجة من رجل أكبر منها - 15 سنة- وكان متزوجا، وليس لها أولاد.

وهي تعاني كثيرا منه، وهي فتاة ليس لديها عيب في الدين ولا في الأخلاق، وأهلها أناس ذو سمعة طيبة.

ولكن خوفي أن يتم الرفض من أهلي لأنها مطلقة، فماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عاشق البحر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب -بابننا الكريم- في موقعه، ونسأل الله أن يسهل أمره، وأن يلهمه السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

وأرجو أن يعلم الجميع أن الزواج من المطلقة ليس أمرًا مرفوضًا، بل الصحابة – عليهم من الله الرضوان – ما كانوا يتركون المطلقة تجلس لحظة بعد طلاقها، بل كانوا يزدحمون على بابها رغبة في الزواج بها، وهذا الذي يوصي به الشرع الحنيف حتى لا تظلم هذه المسكينة، ويؤسفنا أن الناس تغير عندها الكثير من المفاهيم، فأصبح من الناس من يرى كل مطلقة معابة، وأنها ناقصة، مع أن بعض طلاق الأخوات من يكون سبب في رفعة أمرهنَّ؛ لأنها رفضت سكرانا، ورفضت إنسانا مدمنا، ورفضت إنسانا ليس له دين، خُدعت به، وأهملها أهلها في السؤال عنه، فالطلاق قد يكون منقبة للمرأة، لكن الناس يعدوه عيبًا ونقصًا، وهذا أمر غير صحيح.

نحن يحكمنا الشرع الحنيف، والعبرة في كل زواج ناجح هو في صلاح الأزواج والزوجات.

إذا كانت الفتاة المذكورة امرأة صالحة معروفة بدينها، وهي مناسبة لك، ووجدت في نفسك ميلاً لها، وهي تجد في نفسها الميل، فليس في الشرع ما يمنع، وعليك أن تحسن عرض الأمر إلى أهلك، ونحن نفضل أن يكون معك بعض الدعاة أو العقلاء الفضلاء ممن يتكلموا بلسانك حتى يقنعوا الأهل، حتى يبينوا لهم أن هذا الأمر قد يكون فيه مصلحة كبيرة، بل إن بعض الناس ربما رغب – وهذا نادر لكنه موجود – في المطلقة؛ لأنه يقول: (ترضى بالقليل وتكون حريصة على بيتها؛ لأنها لا تريد أن تكرر تجربة الفشل، وأيضًا لها القدرة على المقارنة، وعندها خبرة في الحياة، فهي تتشبث أكثر بزوجها حتى لا تقع في فشل ثانٍ)، ولذلك بعضهم يصطحب مثل هذه المعاني.

وعلى كل حال فالمرأة سواء كانت مطلقة أو غير مطلقة، هي في النهاية امرأة، والعبرة في ميل الرجل إليها، فإذا توفر فيها الدين والأخلاق والسمعة الطيبة - كالحالة المذكورة في السؤال - فليس هناك ما يمنع من الناحية الشرعية، وعليك أن تحسن عرض الأمر على أهلك، وتجتهد في إرضائهم، وقدم بين يدي ذلك صنوف من البر والإحسان إلى الوالد والوالدة، وابدأ عرض الأمر على العقلاء والفضلاء، واطلب منهم أن يكونوا لك لسانًا، وأن يكونوا لك معاونين في توضيح هذه المسألة، حتى يتم الله تبارك وتعالى لك هذا الأمر.

وإذا ثبت أن الفتاة صاحبة دين فعلاً، وأنك تميل إليها، ووقف أي إنسان في طريقك فليس هذا من حقهم أن يقفوا ويمنعوك من الزواج بها؛ لأن مسألة الزواج هي تلاقي بين الأرواح، والأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.

فانظروا للموضوع بطريقة شاملة، فإذا كان الأهل في كلامهم لين ويمكن يرضوا عنك غدًا فلا مانع من أن تُقدم على هذه الخطوة، وسيتحول من غضب منك اليوم إلى راضٍ عنك بالغد، وأنت لست عاصيًا لله تبارك وتعالى طالما كان الزواج بالطريقة الشرعية الصحيحة، وبالمجيء لهذه المرأة من الباب المشروع، ثم بإقامة مراسيم الزواج بضوابط وأحكام الشرع الحنيف الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.

إذا كان الإنسان يسير في هذا الطريق ووجد رغبة وميلا فإنه لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح، فليس للأولياء وليس للأهل أن يمنعوا الفتى ولا الفتاة من الزواج ممن رضيه وممن اختاره إذا وُجد الدين، إذا وجت الأخلاق، إذا وجدت السمعة الطيبة، والنبي عليه الصلاة والسلام تزوج من كبيرات وصغيرات، ومن بدويات ومن حضريات، ومن عربيات ومن غير العربيات، عليه صلوات الله وسلامه، تزوج من الكبار والصغار والأبكار والثيبات، وأسعد الجميع عليه صلوات الله وسلامه، فالرجل يتعامل مع المرأة بهذه الطريقة، وأيضًا فالصحابيات وجد من طُلقت وتزوجت، من مات عنها زوجها الأول، والثاني والثالث والرابع، ثم تتزوج بعد ذلك، فلا عبرة بما يقوله الناس ولا عبرة بما عند الناس.

ومع ذلك فنحن نتمنى أن تقدر مشاعر والديك، لأنهم يريدوا لك الأفضل، لكن ربما يخطئوا الطريق؛ لأنك أنت من تحدد الأفضل، ولكن تقديرك لمشاعرهم مما يعينك أيضًا على إرضائهم وعلى بلوغ ما تريد بحول الله وقوته، وأملنا في الله تبارك وتعالى أن يسهل لك هذا الأمر، ونرجو أن نسمع عنك الخير، ونوصيك بتقوى الله أولاً، ثم بكثرة اللجوء إليه سبحانه وتعالى، ثم بالإحسان والبر لوالديك والتقرب إليهم بكل أمر يرضيهم، ثم نوصيك بعد ذلك بكثرة الاستغفار، وكثرة قول (لا حول ولا قوة إلا بالله) وكن في مساعدة المحتاجين ليكون العظيم في حاجتك. اطلب أيضًا مساعدة الفضلاء والفاضلات والدعاة والداعيات من أجل أن ينقعوا الأهل، وأيضًا استعن بالله تبارك وتعالى، ونتمنى أن نسمع عنك الخير، وسوف نكون سعداء إذا تواصلت مع الموقع حتى تبين لنا أسباب الرفض الفعلية، فهل هذا هو السبب الوحيد لكونها مطلقة، فالمطلقة قد تكون مظلومة، وكما قلنا ربما طُلقت للدين الذي عندها وللفضل الذي فيها هي التي رفضت، هذه حالات لابد فيها من الاعتبار ولابد فيها من النظر المتأني حتى لا يقع الإنسان في ظلم الآخرين وإساءة الظن بهم، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يسهل أمرك وأن يغفر ذنبنا وذنبك، وأن يعينك على إقناع الأهل، ونكرر دعوتك بالتوجه إلى الله، فإن قلب الوالد والوالدة والأهل بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء، ونسأل الله أن يصرفهم لما فيه المصلحة والخير، والأمر الذي يرضيه سبحانه وتعالى، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً