الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي يحبني ويساندني لكن تضايقني التشققات الجلدية، فما رأيكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إليك طبيبي الفاضل أعرض مشكلتي، وأتمنى أن أوفق في سردها، وأرجو منكم مساعدتي، أنا فتاة في 26 من عمري، متزوجة، (عقد قران فقط) لازلت في بيت أهلي، وحفلة زواجي بعد 3 أشهر، بصراحة هناك منغصات في حياتي تمنعني من السعادة، والفرح مثل أي فتاة مقبلة على حياة زوجية تملؤها السعادة مع حبيبها.

هذه المنغصات هي: مشكلتي تكمن في عدم ثقتي بنفسي بشكل كبير بسبب أني كنت أعاني من السمنة، وبعد الحمية الغذائية ظهرت في جسمي التشققات الجلدية بشكل كبير، وجسمي ليس كجسم فتاة في عمري، حاولت علاجها، لكن كما تعرف ليس هناك شيء يزيلها، مجرد تخفيف، الآن جسمي من الخارج جميل، وكل من رآني لا يصدق أني كنت سمينة، أزاول رياضة المشي يومياً لمدة ساعة، لكن لم أستطع السكوت، وعدم إخبار زوجي بهذه المشكلة؛ لأني أشعر بضرورة إخباره حتى لا أكون خدعته، وأخبرته أثناء فترة الخطوبة، ولقيت منه كل الدعم والمساندة، وأخبرني أنها شيء عادي، وأني لو كنت مصابة بالسرطان، فلن يتركني.

هنا تكمن مشكلتي الثانية هي عدم الثقة بالرجالن بسبب أبي -سامحه الله- لقد كان قاسياً معنا، وكان شكاكاً وبخيلاً، والأدهى مشاكله مع أمي كان يسيء لها، وكانا سينفصلان في مرحلتي الجامعية.

الآن أنا موظفة منذ عامين، لكن هذه الحادثة أثرت فيّ بشكل كبير، ولا تزال جملة رددها أبي تتكرر في أذني وهي (المرأة مثل الحذاء عندما لا أريدها أرمي بها) قالها لها بعد أكثر من 30 سنة بينهما.

في عائلتي لا يوجد احتكاك بيننا نحن البنات، وبين إخواني الشباب، كأننا لسنا إخوة أثرت هذه العوامل في علاقتي مع زوجي، فأشعر أني لا أستطيع الوثوق به، ولم أستطع تقديم الحب له بشكل كبير مثل حبه لي حتى لا أنصدم في حال تغيره علي مثل تغير أبي، على أمي فقد كان أبي إنسانا عظيماً، لكن التغيير أخاف من التغيير، وأخاف من الحياة الزوجية المقبلة ألا أسعد زوجي بعدم ثقتي بنفسي.

أخاف أن يتغير بعد رؤيته لجسدي، وأخاف ألا أعجبه، وبعدم ثقتي به مع أنه يقدم لي كل الحب والمشاعر وأشعر بكبر حبه لي، وأنا لا أريد أن أخسره كما أني قليلة الكلام معه، وهذا يزعجه، أشعر أني لن أوفق في حياتي الزوجية، كما أنه أصبح يسكنني حزن دفين، لم أعد كالسابق، لم أعد أضحك وأسعد بالحياة، كانت ضحكتي عالية، الآن أصبحت مجاملة حتى زوجي لاحظ هذا، وقال لي لديك ضحكة جميلة، لكن مكتومة أصبحت تجذبني الكتابات الحزينة، وأصبحتُ أحفظ صور الفتيات الحزينات اللاتي يبكين في جوالي، أريد أن أعود كالسابق، أضحك من قلبي، وأسعد بحياتي مع زوجي.

عذراً على الإطالة، وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سمر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

في البداية نرحب بابنتنا الفاضلة، ونسأل الله أن يكمل لها مشوار السعادة، ويجمع بينها وبين خطيبها المحب لها على الخير.

نريد أن نطمئنك بأن ثقة الخاطب لك بعد علمه بمعاناتك، وكونك تجدين منه التشجيع والتأييد، هذه كلها مؤشرات، وأمور طبية تدل على توفيق الله تعالى لها، ولا بد أن تدركي أن أي شاب وأي امرأة لا بد أن نشعر أننا بشر، وأن النقص من طبيعة هذا الإنسان، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يَفْرِك مؤمنٌ مؤمنةً؛ إن كره منها خُلقاً رضي منها آخر) رواه مسلم، وكذلك الأمر بالنسبة للنساء، يقول الشاعر:

من ذا الذي ما ساء قط **** ومن له الحسنى فقط

وقال الشاعر:

ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها **** كفى بالمرء نبلاً أن تعد معايبه

لا تحملي هم التشققات المذكورة خاصة بعد أن أخبرت زوجك، وإذا كنت في الظاهر جميلة، وهذا هو الذي جذب الزوج إليك، وإذا حصل منه هذا التوافق بينك وبين الزوج، فأعلمي أن هذا الأمر من الله تعالى، فالأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، فلا تعطي الموضوع أكبر من حجمه واجتهدي في ممارسة الرياضة، وفي مقابلة الطبيات الموثوقات، ولا يوجد مرض ليس له علاج، نسأل الله تعالى أن يكتب لك السلامة والتوفيق والنجاح في حياتك.

أما بالنسبة للانعكاسات السالبة عليك بناء على تلك العلاقة التي كانت بين الوالد والوالدة، فإننا ننصح كل من عاش وخاض تجربة مثل هذه ألا يكررها، وأن يكون رد الفعل في الاتجاه المعاكس لهذا الوضع الذي كنت تعيشين فيه، فليس من الضروري أن نكرر الفشل، بل كثير من الناجحين يتفادون من تجارب الفاشلين، ولذلك هذا الاتجاه الذي أريد أن تسيري عليه.

وكون الوالد كانت له كلمات، وكانت له تعابير، وكان يفكر في الطلاق عددا من المرات هذا لا يضرك، أنت فقط ما عليك إلا أن تتجنبي الأخطاء الحاصلة، وتتجنبي السلبيات التي كنت تلاحظينها في حياة الوالدين، وليس الرجال بمقياس واحد، كما أن النساء لسن كذلك، فمن الظلم للرجال أن تعممي عليهم تجربة الآباء الذين تظنين أنهم كانوا قساة، ومن الظلم للنساء أيضا أن نعمم تجربة الأم التي كانت تتلقى تلك الأحزان، وذلك الأذى من زوجها، ولابد أن تدركي أن هنالك أمورًا تكون خافية عليك.

الأخطاء الحاصلة علينا أن نتجنبها، والإنسان يستفيد من أخطاء الناس ويستفيد من أخطائه، وكثير من البيوت التي فيها مشاكل أخرجت عقلاء وعاقلات فضلاء وفاضلات، فسبحان من يخرج الحي من الميت، هذه المسألة لا ننكر أن الإنسان قد يتأثر بها، ليس بمعنى ذلك أنه يتقمص التجربة، ويسير في نفس الاتجاه، بل العاقل يستفيد من الأخطاء، والناجح دائماً يجعل مواطن الفشل والمواقف المظلمة محطات يستفيد منها في تحقيق النجاحات، وفي تفادي ما يأتي بالتأخير والحيلولة دون النجاح.

عليك أن تقبلي على الحياة بأمل جديد، وبثقة في الله المجيد، واعلمي أن الدنيا لمن يضحك، فإذا ضحك الإنسان ضحكت الدنيا له، وإذا بكى الإنسان سوف يبكي وحده، ومسألة الحزن المتواصل الذي له سبب والاحتفاظ بالصور الحزينة هذا لا نريده لك؛ لأن المسلم ينبغي أن يكون كثير الضحك والتبسم، فتبسمي فأنت مسلمة، وتبسمي فأنت موفقة، وتبسمي أنت فزت بزوج يحبك لهذه الدرجة من المحبة، ويبالغ في حبك، ويتمنى أن يسمعك من مثل هذه الضحكات.

عليك أن تضحكي بطاعتك لله تعالى وتضحيتك؛ لأن الله اصطفاك وجعلك مسلمة، وتضحكي لأن الله تعالى هو الذي أضحكك سبحانه وتعالى {وأنه هو أضحك وأبكى}، ولكن المؤمنة دائماً ينبغي أن تجعل حياتها سعيدة بالضحك، وبالسرور وبالبهجة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان ضحاكاً بساماً عليه صلاة الله وسلامه، وعندما يفكر الإنسان في هذه الأمور؛ فإنه سيجد أن الحزن لا يقدم ولا يؤخر، ولا يأتي بأي نتيجة، بل سبب لكثير من الأمراض الفاتكة والأحزان والهموم الغموم، وهي أسباب لكثير من أمراض العصر الخطير، بخلاف الضحك الذي أصبح علاجا لكثير من الأمراض وهو يريح الإنسان في جسده وبدنه، ويجلب له ذلك حب الآخرين، وتقدير الآخرين.

الناس لا يريدون الجلوس مع الفتاة الحزينة، ولكن عليك أن تبتسمي، وعليك أن تضحكي وتقبلي على الحياة بأمل جديد، وأطالبك الآن بمسح صورة الفتيات الحزينات، واستبدليها بصورة مشرقة لبنات طيبات، أو مواقف جميلة تجعل الإنسان يبتسم ويسعد في هذه الدنيا، والإنسان إذا ضحك فإنه بهذا الضحك والسرور يؤدي إلى أن يشمل من حوله من الناس بذلك، فالحياة لا تستحق أن يحزن الإنسان؛ لأنها قصيرة؛ ولأنها دار ممر، والسعادة هي نبع النفوس المؤمنة الراضية بقضاء الله وقدره المواظبة على ذكره، وشكره وحسن عبادته سبحانه وتعالى، فكوني سعيدة بطاعتك لله، وكوني سعيدة بمواظبتك على ذكرته وشكره، وحسن عبادته.

أقبلي على هذا الزوج، ولا تحرميه ولا تحرمي نفسك من هذه الفرصة العظيمة، وتعوذي بالله من الشيطان الرجيم، فإن هم هذا العدو أن يحزن الذين آمنوا، لكن الله يقول: {وليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله} فهذا الحزن والاكتئاب والنظر إلى الأمور بسوداوية لا يفرح إلا عدونا الشيطان، واعلمي أن الكون ملك لله تعالى، فتفائلي بالخير تجديه، ولا تتفائلي بالصور القاتمة، وتعوذي بالله من الشيطان الرجيم.

نسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً