الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سوء المعاملة في الصغر ولَّد عندي خوفا وعدم ثقة بالنفس ... كيف أتجاوز هذا الشعور؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,,

أنا في صغري كنت فتاة أحب اللعب، هواياتي جمع الملصقات، كنت أحبها كثيرا، وكانت تلهيني عن المذاكرة، وفي يوم من الأيام جاء أبي وأخذ مني ملصقات وأحرقها أمام عيني فبكيت كثيرا، وأيضا كنت أحب شعري كثيرا، وأمي تعلم، فأخبرت أبي فجاء وقص شعري، وبكيت بكاء شديدا، هذه المواقف جعلتني أكره أبي، ولا أحب الجلوس معه، ولا الخروج معهم، وكانوا إذا خرجوا للتنزه أبقى في البيت وحدي، أمي كانت تقارنني ببنات عمتي، كانت دائما تقول: هم أحسن منك في الدراسة.

لا أتذكر يوما أن أمي كانت تحن عليّ, وعندما كنت صغيرة لربما كانت تقسو عليّ, وتقارنهم بي؛ كي أصبح أحسن منهم، لكن –للأسف- طريقتها جعلتني أفقد الثقة في نفسي، لم أتعود منها الاهتمام، وحالي الآن أحسن، وأنا الآن متزوجة وعندي طفلان، ومعاملة أمي الآن أحسن، وكذلك أبي, وأنا أبلغ 23, وأبي اعتذر مني عما قام به في صغري، وأحس أنه يريد تعويضي من خلال أولادي الاثنين، كان دائماً يشتري لهم الألعاب ويفرحهم.

وأيضا توجد أمور أخرى أثّرت على نفسيتي، لا أستطيع البوح بها؛ لأني أخجل من نقلها، ولا أحب أحدا يطّلع عليها، وهذه بالنسبة لي أراها مشاكل أيضاً لها دور في وضعي الحالي, أثرت فيّ كشخصية، جعلتني خجولة نوعا ما.

والمشكلة معي بدأت الآن بعدما كبرت، أنا أخاف أن أتكلم مع أحد، كان إذا جاء ضيوف عند أمي أختبئ في الغرفة، ولا أخرج حتى يذهبوا؛ ليس لأني معقدة، على العكس! أنا أحب أن أتكلم وأعبر، ولكن خوفي من عجزي في الكلام يمنعني الجلوس مع أحد.

أختي التي تصغرني عكسي تماما، كانت تجلس وتتكلم معهم، وأيضا ثقتها بنفسها كبيرة جدا, لا يمكنكم تصورها، وأنا أرى كل البنات أحسن مني، وهذا شيء خاطئ، وهذا يجعلني أرى نفسي قليلة الشأن، ولا أحد يعيرني اهتماما، مشكلتي أن ليس لدي القدرة في الأخذ والعطاء في الكلام، ليس لدي أسلوب في الكلام، ولا أعرف كيف أبدأ مشكلتي، عدم القدرة على التعبير عن مشكلتي، لا أستطيع الدفاع عن نفسي، ولا حتى أولادي إذا ثار شجار بين أولادي.

وطرف آخر: في أغلب الأحيان أولادي يكونون مظلومين، ودائما أكون في مواقف محرجة جدا، لحظتها أسكت ولا أتكلم، أتمنى أن أرد عليها كي آخذ بحقي لكني لا أستطيع، دائما البنات يحرجنني، يعلمون بأني لا أقدر أن أرد عليهن؛ لهذا أكره الجلوس مع أحد كي لا يحرجني، والناس يعطون أختي شأنا أكثر مني، أنا دائماً متوترة، لا أدري لماذا؟ ودائما خائفة، رأسي مضغوط، ولست عقلانية، ولكني أريد حلاً، وأريد أن أغير من طبعي، أنا لا أتكلم كثيرا مع أناس؛ لأني لا أدري ماذا أقول لهم, وأخاف من قول شيء فينقلب ضدي؟!

أتمنى منكم المساعدة!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم علي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

شكرا لك على السؤال.

تقولين بأنك: "لا تدرين لماذا أنت دائما خائفة"!
فلا تستغربي إن كانت هناك علاقة وثيقة بين ما تشعرين به، وبين شخصيتك من جهة، وبين ما مررت به من تجارب في حياتك من حرق الملصقات، وقصّ والدك لشعرك وأنت صغيرة، وبين ما خجلت من الحديث عنه، ولربما تعلق بنوع ما من التحرش أو سوء المعاملة، فلا تستغربي أن علاقة قوية بين كل ما جرى لك وبين ما وصفت في نفسيتك وطباعك وشخصيتك ومواقفك من نفسك والحياة والآخرين من الناس.

فما نحن البشر إلا امتداد لطفولتنا وتجارب حياتنا الأولى، وفي حين نستطيع ربط العلاقة بين ماضينا وما نحن عليه الآن، وأحيانا تخفى علينا هذه الرابطة، ولا تظهر إلا لعين الخبير المتخصص.

ونحن نحتاج لتجاوز تجارب السنوات الأولى من حياتنا، لا أن نحاول تناسيها، فنحن لن نستطيع نسيان مثل هذه الأمور التي أثرت فينا, وفي عواطفنا ونحن صغار، وإنما علينا أن نمرّ من خلالها متعاملين معها وجها لوجه عن طريق العلاج النفسي, أو عن طريق التعبير عنها, والبوح بها لصديق, أو من نثق به، المهم أن نخرجها من صدرنا ورأسنا، ولا نبقيها حبيسة رؤوسنا، وهذا ربما يفسر سبب الضغط الذي تشعرين به في رأسك، لما تختزنين فيه من العواطف والتجارب السلبية المؤلمة.

إن الإنسان منا يحتاج للتفريغ العاطفي عما في نفسه، ولنذكر أيضا أن العواطف والمشاعر، لا تذهب ببساطة مع مرّ الزمن، وإنما تتراكم في نفوسنا تجربة بعد تجربة بعد تجربة.

كتابتك لنا على هذا الموقع هي نوع من هذا البوح المطلوب، وربما كان البوح لأخصائية نفسية مثلاً طريقة فعالة في التخلص من الكثير من العواطف والمشاعر التي تختلج في صدرك ورأسك، وعندها ستشعرين بالكثير من الراحة، وكأن حملا ثقيلا قد تخففت منه، ومن بعدها ستشعرين بزيادة ثقتك بنفسك، وكذلك بالثقة في تعاملك مع الناس دون خوف أو تردد.

وأطلب منك أن تراجعي أخصائية نفسية قريبة من مكان سكنك، وأن تفتحي هذا "الخراج" المزدحم لتنظيفه، ومن ثم تعقيمه لتشعرين من بعده بالصحة والسعادة.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً