الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتصرف مع تعنيف وشتم أبي لي بصورةٍ مستمرة؟

السؤال

السلام عليكم..

أنا من مصر، وعندي مشكلة أسرية، وأرجو منكم أن تعذروني في إطالتي ومشكلتي هي تعنيف والدي لي فهو دائما ما يشتمني ويسبني بعنف طوال عمره على أتفه الأسباب أمام الناس، وأصعب شيء بالنسبة لي أنه ينعتني بصفات -والله- لا يتحملها بشر، وكلها من الصفات التي تنتقص من شخصية الإنسان، وأكثر هذه الكلمات، والتي تمثل مالا يقل عن 80 % من شتائمه لي هي (أنت معدوم الشخصية، وعمرك ما ستتغير)، وغيرها الكثير مثل (ستظل طول عمرك طفلاً) (أنت مريض نفسيا)، ويقسم بالله على ذلك، علما بأنة مدرس وملتح، ودائما ما يقول لي: (إنه مرب منذ عشرين سنة، ويقسم بالله، وهو يعرف ما يقول) .

علما بأن عمري 20 سنة، وفى السنة الرابعة من كلية الهندسة، وهو شغال فني كهربائي أيضا، وأنا طول عمري أشتغل معه، ولذلك فأنا تقريبا معظم اليوم معه، إما في الشغل أو في البيت، وأنا والله أتكلم معكم بأنصاف، وأقول الذي لي والذي علي.

أنا أحيانا أخطئ وأعاقب منه أشد العقاب، ولا أغضب لأني أعرف أني أستحق العقاب, ولكن ما يغضبني كثيرا أنه كما ذكرت سابقا أحيانا كثيرة جدا بل الغالب يشتمني أمام الناس بالألفاظ التي ذكرتها لكم سابقا قاسما بالله, تقريبا أسمع هذه الألفاظ يوميا على أسباب -والله- تافهة، وأظل أقنع نفسي، وألتمس له أي سبب لكي لا أغضب منه، ولكن لا أجد له أي سبب، مما يجعلني أتضايق، وأغضب كثيرا, في المقابل والدتي تهدئني وتقول لي تحمل، والدك لا يقصد هذا بل يستنفرك، ويحمسك لتخرج أقصى ما لديك.

وأجلس أسأل صديقين لي ووالدتي، وزوج أختي فيما فعلت، وهل أستحق هذا السب؟ وأحلفهم بالله أن يتكلموا بصراحة ولن أغضب فيقسموا لي بالله أن هذا الموقف لا يستحق أي شيء.

وأنا واثق كل الثقة أن 90 % من المواقف التي يصفني فيه بهذه الصفة الأولى لا تستحق هذا اللفظ، ولكنه عندما أتصرف بأسلوب مختلف عن أسلوبه حتى ولو كان صحيحا، ويؤدى نفس الغرض يصفني بهذه الصفة, والنسبة الباقية أكون بعد الموقف مباشرة أعلم أنني أخطأت في التصرف، وهذا سبب لي مشكلة نفسية كبيرة.

والدي لا يبخل عنى بشيء، وعلمني أشياء كثيرة جميلة، ولكن ككل الناس هناك عيوب ومن أشد عيوبه هي:

لا يحاسب على كلامه مما يغضب بعض الناس منه, وسبه لي كما ذكرت سابقا, ووالدي من النوع الذي يرى نفسه على صواب دائما، ومن الصعب أن تقنعه بأن هناك رأيا أصح من رأيه, وخاصة مني فعندما أتحدث معه، وأختلف معه في الرأي لا يعير لرأيي أي اهتمام بل قالها لي صراحة ذات مرة ( أنا أكبر منك وأفهم منك فأنا الصواب فاسكت واسمعني), بالإضافة إلى ذلك فهو عصبي، ومن الصعب التحدث معه، فعندما يغضب مني أثناء الحديث لأني لا أتفق معه يقوم بسبي بنفس اللفظ، بل بضربي أحيانا، وعلى الرغم من ذلك حاولت أن أحادثه أكثر من مرة، فقد كنت أعتقد أنة يقول وليس قاصدا المعنى، ولكنه يقصد تحميسي، وأقول له على الأقل لا تقسم بالله، فيكرر لي كلامه أنه مرب منذ عشرين سنة، وأب عبقري، ويحلف بالله، وهو يعرف ما يقول) فأتضايق أكثر وأكثر .

ومنذ فترة قررت أني لن أتناقش معه، وعندما يقول لي شيئا أقول له ( صح ) ما هو سواء قلت رأيي أو لم أقله، رأيه هو الصح.

وحاولت أجعل والدتي وزوج أختي يتحدثوا إليه، ولكنه كما قلت سابقا من الصعب تغيير، رأيه فهو يرى نفسه على صواب دائما, بل مرة قال لي زوج أختي أنه كلم والدي، وقال له على الأقل لا يسبني, فرد والدي بأن هذا السباب أصبح شيئا عاديا بينه وبيني، ولا بد لكي أتذكر الموقف أن يعنفني, ظنا منه أنني لا أغضب.

وهنا بدأت مرحلة جديدة في التعامل بيني وبين أبي, فأنا طوال عمري عندما يشتمني لا أرد عليه بل أنتظر إلى أن ينتهي من سبابه لي ويهدأ، وبعدها أفهمه ما حدث, ولكني قررت أن لن أسكت له فعندما يشتمني لا أعطيه الفرصة بل أقاطعه، وأفهمه الموضوع فيسكت, وعندما يتحدث ويقول لي (هذا هو الصح) أقول له ( أنه الصواب من وجهه نظره هو فقط), وأقول له أحيانا راجع نفسك.

وأنا لست راض عن أسلوبي هذا معه، ولكني مللت ونفذ صبري فلقد تحملته سنوات طويلة، وليس لدي استعداد أن أتحمل أكثر من ذلك، ووالله لو هذا يحدث من شخص آخر لحدثت بيننا مشاكل كثيرة، ولقطعت علاقتي به، ولكنه والدي وأتحمله لأن الله أمرني بذلك ليس أكثر.

فأرجوكم أفيدوني كيف أتعامل معه لأنني كلما أتواجد أو أتعامل معه أشعر بضيق شديد، وأخشى أن يحدث مشكلة بيني وبينه؟

وفى النهاية أعتذر لكم على إطالتى, وأشكركم لسعه صدركم معي, وجزاكم الله عنى خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إسلام التائب حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإننا نرحب بك أخي الفاضل في موقعك إسلام ويب، ويسرنا تواصلك معنا، وشكر الله لك حرصك على دينك وحرصك على بر والديك التماسا للأجر من الله عز وجل أولا، ووفاء لما بذله لك والدك على مدار عمرك ثانيا.

سأبدأ معك بكلمة قلتها أعجبتني كثيرا، ووضعت الحل أمام عين كل راء وهي قولك "أنا لست راض عن أسلوبي هذا معه، ولكني مللت، ونفذ صبري فلقد تحملته سنوات طويلة، وليس لدي استعداد أن أتحمل أكثر من ذلك".

ودعني أحلل هذه الجملة فأتصور أنها مفتاح الحل:

أولا: أما اعترافك بأنك لست راض عن أسلوبك هذا، فهذا دليل على فطرة مستقيمة، وعلى نفسية سليمة لا تقبل الخطأ وإن كان فيه راحة لأنك تدرك أن تلك الراحة مؤقتة، وأن تبعاتها لا يمكن أن يتحملها الفرد.

ثانيا: قولك مللت ونفد صبري، فهذا بعد نفسي آخر له عدة دلالات فانتبه أخي الفاضل مما جعلك تصل إلى مرحلة الملل وهو:

* نظرة الإنسان إلي ذاته واعتزازه بها أمر مطلوب ما دام لم يصل إلي حد الغرور، والذي لا يجوز في حق أحد، وهو أمر مرفوض إذا كان مع الوالدين، والذي أوصلك إلي ما أنت فيه أيها الحبيب أنك قد كبرت حقيقة، وأن الوضع الملائم والطبيعي أن يصاحبك الأب لا أن يعاديك، لكن هل إذا مرض الوالد يترك أم نزيد من رعايته؟ هذا بالطبع هو موضوعنا، فإن الوالد وإن أخطأ فشأن الابن معه الطاعة في غير معصية الله.

ويعينك على التصبر عدة أمور منها:

1- التماس الأجر من الله عز وجل على برك بوالديك، وهذه من أعظم القرب التي يتقرب العبد بها إلي الله، وإقناع ذاتك بذاتك أن ما فعله الوالد هو من قبيل المحبة والمصلحة والحرص عليك، وإن أخطأ الوسيلة أو الطريقة.

2- الأجر على قدر المشقة: كذلك يعينك أيها الحبيب أن تعلم أن الأجر على قدر النصب والتعب، وكلما ازداد البلاء على الرجل ازداد أجره، وأن أكثر الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، وأن الله إذا أحب عبدا ابتلاه، وخطأ الوالد -إن صح- فصبرك عليه جزء من هذا الأجر، فهل يعقل أن يغلق العبد بابا فتحه الله له لرفعته؟

3- أخي الفاضل الأعمار بيد الله، فهب أن والدك -حفظه الله - قد توفي هل تدرك كم المعاناة التي تتجرعها؟ هل تدرك كم من الأجر قد فاتك في بره؟ هل تدرك كيف يعيش الإنسان مهما عظم أو كبر بدون أب؟

سل كل أقرانك مهما علا شأنهم، ستعرف ساعتها أن لو كان نارا فليس أجمل من الجلوس معه والتحدث إليه، وهذا ما يعينك أيها الحبيب على التحمل فأنت منعم عليك ببقائه فاغتنم الفرصة.

4- يعينك كذلك أن تعلم أن البر إرث كما أن العقوق إرث، فما تفعله مع والدك سيفعل لا محالة معك.

أسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يحفظ والدك وأن يعينك على بره، ونحن في انتظار مزيد من رسائلك واستفساراتك.

والله ولي التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً