الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوس تطارد صاحبي تخوفه من أن يصبح مجرماً

السؤال

السلام عليكم.

لي صديق محتار في أمره من أجل حل مشكلته التي مضى عليها نحو السنة، وكنت أعتقد أنه مصاب بمرض انفصام الشخصية لو لم يبلغ من العمر 52 سنة، ووفق مطالعاتي لا يمكن لشخص تجاوز الخمسين من العمر وكان متوازناً نفسياً أن يصاب بهذا المرض، ولكن منذ نعومة أظفاره يصاب بالخوف الذي يتبدى بسرعة لديه ما إن يطمأنه الطبيب، وقبل حوالي السنة شعر ذات يوم أنه يريد أن يضرب أو يقتل، وهذا يمكن أن يمر مع كل إنسان في لحظات إرهاق أو استفزاز، وللأسف تذكر يومذاك أحد المجرمين الذين قرأ عنهم وقال لذاته: "أنا أصبح مثل هذا المجرم، معاذ الله" سيما وأن هذا الصديق مشهور بدماثة أخلاقه ورحابة صدره.

وبدل أن يكون هذا الأمر الرد الذاتي المطلوب صارت تتكرر أمامه صورة هذا المجرم، ويخاف من أن يصبح مجرماً، وبعد ذلك صار يتذكر مجرمين آخرين كان يقرأ عنهم، وخاصة عن مجرم آسيوي اعتقله البوليس كقاتل لزوجته وكان قد قطعها ووضع لحمها في البراد يأكل منه، وصديقي من شدة حساسيته صار يكره أكل اللحوم، وكلما فتح البراد في منزله يتصور ذلك المجرم ويخاف لو أن زوجته مكان القتيلة! وطبعاً يدرك أن ذلك مستحيل وغير واقعي، وأن حالة هذا المجرم بالذات نادرة الحصول، سيما وأن صديقي يخاف من إلحاق الأذى بنملة كما يقول المثل.

كما أن صور أقربائه وأصدقائه ممن ماتوا تخرج من ذاكرته يومياً وتكراراً مع أنه يملك إرادة فولاذية، ولكنه حساس للغاية، ويخاف من أن يرتكب خطأ ولو بسيطاً الأمر الذي يجعله يعيش في صراع داخلي مع هذه الأفكار أو ربما الأوهام.

وهو يستغرب كيف تخرج من ذاكرته صور أشخاص عرف بموتهم منذ نعومة أظفاره، أي أن ذاكرته تنبش إليه الآن كل شيء من طفولته، وهو الذي كان يتهرب من مشاهدة المجرمين والأموات والمجانين؛ لأنه أساساً يخاف من هؤلاء جميعاً، وهو يدرك أن الموت حق، وأن الأموات الذين يتذكرهم كان يعرفهم ويتعلق بهم حينما كانوا أحياء، وحتى مراسيم دفنهم لم يحضرها، إذن ما هي طبيعة حالته؟ وبالتالي ما السبيل للخروج من أزمته هذه دون الاعتماد على أي أدوية، بل وسائل سلوكية ينتهجها للخروج من محنته؟ وهل يمكن له بهذه الحالة أن يقدم على زواج ثان رغبة منه في الإنجاب سيما وأن زوجته الحالية قد تخطت بعمرها إمكانية الحمل؟


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

أرجو أن أؤكد لك أن هذا الأخ غير مصاب بمرض الفصام، علماً بأن ما ذكرته من أن الفصام لا يصيب الشخص الذي تجاوز الخمسين من العمر ليس بصحيح، ولكن الصحيح هو أن الفصام خاصةً النوع الاضطهادي منه يمكن أن يحدث في هذا العمر وحتى بعده، وتكون الاستجابة للعلاج أفضل؛ لأن الشخص الذي يصاب بهذا المرض في تلك السن يكون قد اكتسب المهارات الحياتية التي تساعده على مقاومة المرض.

هذا الأخ مصابٌ بوسواس قهري، وهو ليس بمرضٍ عقلي، والوسواس القهري من هذا النوع يكون مزعجاً لصاحبه، ولكن والحمد لله يمكن لهذه الحالات أن تستجيب للعلاج، لكن العلاج السلوكي وحده لا يكفي، فلابد من العلاج الدوائي، حيث أن السبب الرئيسي لمثل هذا النوع من الوساوس القهرية هو اختلال لمادة في الدماغ تُعرف باسم (سيروتينين) والحمد لله يا أخي توجد الآن أدوية غير إدمانية أو تعودية، وهي سليمة جداً وقليلة الآثار الجانبية، فأرجو أن يبدأ فوراً في تناول دوائين أحدهما يُعرف باسم بروزاك، والجرعة هي كبسولة واحدة في الصباح، والثاني هو (فافرين) والجرعة هي 100 ملجم ليلاً بعد الأكل، يرفعها إلى 200 ملجم ليلاً بعد شهر من بداية العلاج، ويستمر على هذا المنوال لمدة ستة أشهر، ثم يخفض (الفافرين) إلى 100 ملجم، مع الاستمرار في البروزاك، وذلك لمدة ستة أشهرٍ أخرى، ثم يوقف (البروزاك) ويستمر على (الفافرين) لوحده لمدة ثلاثة أشهر، وتُعتبر هذه الجرعة والمدة كافية.

أما بالنسبة للعلاج السلوكي، فلابد أن يتبع العلاج الدوائي، وهو يقوم في الأساس على تحديد الفكرة الوسواسية، ثم استبدالها بفكرةٍ مضادة لها في نفس الوقت، وتكرار الفعل المضاد لعدد ثلاثين مرة في اليوم، ويمكن أيضاً أن يُقرن الفكرة الوسواسية بفعلٍ مضاد آخر، كإيقاع الألم بنفسه، مثل ضرب يده على سطحٍ صلبٍ حتى يحس بالألم .

إن هذه التمارين البسيطة لها قيمتها العلمية، وقد أثبتت جدارتها وفعاليتها، ولكن لابد أن تكون مصحوبة بالعلاج الدوائي.

إذا كان هنالك طبيب نفسي أو أخصائي نفسي في المنطقة، فيمكن لهذا الأخ أن يقوم بزيارته مرةً أو مرتين؛ وذلك للاطلاع على تفاصيل العلاج السلوكي المعرفي.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً