الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المرأة والبحث عن عمل

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
شكراً لكم على هذا الموقع المميز، وأسأل الله عز وجل أن يجعل ما تقدمونه لنا في ميزان حسناتكم يوم القيامة.
أما مشكلتي فهي:
إنني أشعر بالضيق والحزن من كل شيء حولي، لقد أنهيت دراستي الجامعية قبل ثلاث سنوات ونصف، وإلى الآن لم أحصل على وظيفة، مع العلم أن أغلب الوظائف في بلدي هي وظائف مختلطة، لذلك لا أتشجع بأن أقدم لأي وظيفة منها سوى سلك التعليم الذي لم أحصل من خلاله على وظيفة لكثرة المتخرجين من تخصصي، فمن الصعب الحصول على وظيفة، والمشكلة أنني أشعر أنني بذلك لست سوى فتاة متواكلة، فكل من أعرفهن من صديقات يعملن ويلقين اللوم علي أنني كسولة ولا أبحث عن أي فرصة، وقد عرضت علي في آخر فترة فرصة عمل ميداني وفيه لابد أن أنام خارج بلدي لمده أسبوع بعيدة عن أهلي مما يدخل في نطاق الحرام فرفضت العمل، ولكن أنا أرغب في العمل ليس للنقود وإنما لأنني أشعر أنني أتحطم شيئاً فشيئاً، رغم صلتي الكبيرة بالله عز وجل، ومعرفتي أن الله لا يكتب لي سوى الخير، فأنا أصلي الفرائض والنوافل، وعندي ورد يومي من القرآن، وأحفظ ما تيسر منه وأصوم صيام التطوع والحمد لله، وأسأل الله أن يتقبل أعمالي خالصه لوجهه الكريم، ولكن أشعر أنني بشر مثل كل البشر أرغب في أن يكون لي دور في المجتمع، وأن أسهم في بناءه، رغم أنني أملك بحمد من الله الشكل الحسن والأخلاق الحميدة.
أيضاً لقد تأخر سني بالزواج، رغم أنني أدعو الله دوماً أن يرزقني الزوج الصالح، ومن يتقدم لي لا يحصل هناك اتفاق من ناحية النظرة، وبإصرار من الأهل أوافق على المبدأ والحمد لله ربنا يصرفهم عني بعد أن أصلي صلاة الاستخارة، أصبحت لا أطيق صديقاتي والحديث معهن، فكل واحدة منهن تلقي علي اللوم وأنني كسولة، وأنني وأنني ...، وهناك من يقول لي: أنت تدفعين ضريبة جمالك وغيرها من الكلمات، حتى أصبحت أحب العزلة عن الخروج للناس أو الحديث مع الصديقات، وكل ما أشعر به أنني إنسانة تائهة وضائعة، أرغب في أن أعيش جانب الدنيا، بالإضافة إلى جانب الدين، ولا يمكن أن أقوم بأي نشاطات اجتماعيه، فهكذا طبيعة البلد التي أعيش فيها، أرجوكم أجيبوني.
هل أنا متوكلة أم متواكلة؟ وكيف أخرج من أحزاني وما أشعر به من قلق؟ وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مسلمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا أن يبارك فيك وأن يثبتك على الحق، وأن يرزقك الاستقامة على دينه، وأن يجعل لك من لدنه ولياً ونصيراً، وأن يفرج كربتك وأن يقضي حاجتك، وأن يمن عليك بزوجٍ صالح يكون عوضاً لك عن هذه الحال، وعوناً لك على طاعته وترزقين معه بالذرية الصالحة رياحين الدنيا.

وبخصوص ما ورد برسالتك فإنه بالنظر في واقع المسلمين اليوم نجد أن هذه الحالة ليست مشكلتك وحدك، وإنما هي مشكلة المئات بل والآلاف من الفتيات عموماً والملتزمات خصوصاً، وذلك نظراً لقلة فرص العمل وكثرة الخريجين الذين تضخهم الجامعات سنوياً إلى الحياة دون أن يرتب لهم فرص للاستفادة من طاقاتهم وإمكاناتهم وعلمهم وخبرتهم، وهذا للأسف واقع كثير من دول العالم الإسلامي خاصة بل والعالم أجمع، وحل هذه المشكلة في حكم المستحيل في الوقت الراهن لعجز الدول عن حل هذه المشكلة؛ نظراً لسوء التخطيط وقلة موارد الكثير من الدول، وعدم وضع استراتيجيات وخطط لتنظيم التعليم بما يتناسب مع حاجة الدول، وفوق ذلك النظام العلماني في التعليم الذي لا يراعي الفوارق الفطرية بين الرجل والمرأة، مما حصل التنافس بينهما على قدم وساق، فأنت أختي الكريمة إحدى هؤلاء الضحايا لهذه الأنظمة السابق ذكرها، ومما يزيد من المشكلة أنك قد من الله عليك بالاعتزاز بدينك والحفاظ على هويتك ومثلك غالباً غير مرغوب فيه؛ لأن ما أنت عليه لا يروق لمن يرغبون في رؤية المرأة تحت أقدامهم، وسلعة يتلهون بها ويساومون عليها، والدليل أن كثيراً من زميلاتك وجدن فرصاً كثيرة، ويعملن منذ فترة ولكن بشروط هؤلاء الذين يحرصون على الاختلاط المقيت، بل وقد يحاربون من ينكره أو لا يؤيده، ولذلك لابد لك من الصبر الجميل؛ لأنك اخترت طريقة العفة والعزة والكرامة ومرضاة الله، وهذا كله تدفعينه ثمناً لرضوان الله وجناته الواسعة، ولعله لا يخفى عليك قوله صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكارة وحفت النار بالشهوات)، وهذا هو حالك تماماً، ورغم ذلك أبشرك بقوله صلى الله عليه وسلم كذلك: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً)، وقوله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم: (( وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ))[الضحى:4-5] فهذا للنبي خاصة ولغيره ممن سلك طريقه بصفة عامة، وأصحاب النفوس الكبيرة أكثر الناس تعباً في هذه الحياة، أما الهمل الرعاع فهم سعداء لأنهم رضوا بحياة بغير قيم أو مبادئ، وإنما غايتهم حياة الحيوان من مأكل وملبس ومسكن وشهوة، أما القيم العليا والمثل الراقية فبينهم وبينها بعداً شاسعاً، ولذلك قال الشاعر :

إذا النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام

فلقد شاء الله أن تكوني من هذا الصنف الراقي الذي يأبى أن يركع أمام حطام الدنيا ويبيع دينه بعرض منها قليل، فاحمدي الله أن منحك تلك النفس الأبية، حتى وإن كنت غير مستريحة فالدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر كما أخبرنا حبيبك صلى الله عليه وسلم، وابشري بالعوض العظيم الذي أعده الله لأمثالك، ولا يلزم أن يكون ذلك في الدنيا، وقد يكون بعضه فيها لأن الدنيا دار عمل وليست بدار جزاء، ولا يخفى عليك كذلك أن الدنيا ساعة، وأن خير العباد من جعلها طاعة، وأن الملك جل جلاله قال: (( قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ))[النساء:77] هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية أن المسلم لا ينبغي أن يعقده الشيطان عن العمل والجد والإنتاج، فإذا أغلق طريق فهناك آلاف الطرق، وإذا كنت لم تعمل عملاً دنيويا مفيداً فيمكنك أن تعملي أعمالاً أخرى كثيرة، فالناس في حاجة إلى كل شيء، والمفروض في المسلم أن يطور نفسه في ميادين مختلفة، فكم أتمنى أن تطوري مهارتك في أي ميدان آخر، وأنا لا أعرف ظروفك ولكنني على يقين من أن هناك مجالات كثيرة يمكنك أن تساهمي فيها وتخرجي من هذه العزلة التي تعانين منها، فحاولي ولا تجمدي على المجال الرسمي، وإن شاء الله ستجدين فرصاً كثيرة في انتظارك، ثم إن هناك مجال أرباحه بالملايين، ويستوعب طاقات جميع البشر، وفرص العمل فيه تبحث عمن يتقدم إليه، بل ويعاني من عدم انتباه الناس له، أتدرين ما هو هذا المجال؟ إنه مجال الدعوة إلى الله جل جلاله، أنسيت أن أول من أسلم كانت امرأة وهي خديجة رضي الله عنها، وأن أول شهيد في الإسلام كانت امرأة وهي سمية بنت الخياط أم عمار رضي الله عنهما، وأن المرأة حملت الدعوة جنباً إلى جنب مع الرجل وكان لها دورها الهام في خدمة الإسلام وقضاياه عبر التاريخ؟؟ فهل فكرت أن تسجلي نفسك في سجل هؤلاء الخالدات؟ فرصة لا تعوض، لن تشتكي بعد اليوم من الفراغ أو الوحدة، بل على العكس ستكون شكواك من عدم الفراغ، وظيفة؛ كل الأمة في حاجة إليها، ولا يتقدم إليها إلا القليل النادر، إنها عمل اجتماعي رائع، وظيفة الأنبياء والرسل، وظيفة عظماء الخلق وسادة الدنيا، لماذا لا تتقدمي بطلب هذه الوظيفة وتتشرفي بشرف الانتساب إلى سيد الدعاة، وتكونين على رؤوس الأشهاد بعد الأنبياء والرسل مباشرة؟ بالدعوة ستكونين أسعد الناس وأعز الناس وأكرم الناس، وسيلتف حولك الجميع ويتقدم إليك بدل الرجل عشرات، كلٌ يرغب في الاقتران بمن حملت شرف الدعوة إلى الله، ما رأيك أيتها المسلمة؟ خذي نصيحتي وسجلي اسمك فوراً في سجل الخالدات، تقولين كيف؟ أقول لك: لديك قاعدة شرعية وسلوكية طيبة، وهذه تؤهلك للنجاح، فقط تحتاجين إلى شيء من العلم الشرعي، إما عن طريق الكتب أو حضور مجالس العلم والمشاركة في المحاضرات والندوات، والارتباط بالأخوات الصالحات، وعندك الإنترنت فيه مئات المواقع الإسلامية الرائعة التي تمدك بكل ما تحتاجين إليه في الدعوة إلى الله.

وظيفة ممتازة، وراتب مغر، وسعادة لا مثيل لها، واستقرار تحسدين عليه، اسألي الدعاة عندكم عن الطريقة والوسائل، وتوكلي على الله، وابدئي مع الصغار من الأخوات والأهل والجيران، وحولي بيتك إلى منار علمية وجامعة شرعية في حدود إمكاناتك الحالية، وواصلي تطور نفسك، وأنا واثق من أنك ستكونين أسعد الناس.

اعملي عند الله في وظيفة يحبها الله، واعلمي أنه لا يضيع أهله، وأقسم لك بالله أنك لن تجدي عندك ساعة بعد ذلك تشعرين فيها بالملل أو عدم الراحة والقلق والضيق، على العكس جربي وأنت الحكم، واسألي الدعاة وستجدين أن أهم مشاكلهم إنما هو ضيق الوقت وليس كثرته.

اسمعي كلامي وابدئي العمل فوراً، فالأمة في حاجة إليك، حتى إذا ما أتتك الوظيفة الدنيوية المناسبة هنا ستقررين أيهما تختارين وأنا أجزم أن المسلمة لم ولن ترضى بالدعوة إلى الله بديلاً مهما كان.

مع تمنياتنا لك بالتوفيق والسداد وسعادة الدارين، وبالله التوفيق.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً