الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تكلمت مع شاب وأشعر بألم يمزق قلبي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

أنا فتاة بعمر 17 عاماً، ولست ملتزمة كثيراً بديني في الفترة الأخيرة، حيث أستثقل العبادات، وأنا مقبلة على عام دراسي مهم جداً، ألا وهو عام البكالوريا، ولدي مشكلة أخاف أن تعطلني عن دراستي، خاصة أنها تشتت تفكيري، وتشعرني بفقدان الشهية، وتمزق القلب.

مشكلتي هي: أني اقترفت ذنباً عظيماً، وهو أني كلمت شاباً على مواقع التواصل الاجتماعي، وطوّرتُ مشاعري تجاهه من طرف واحد، تألمت عندما علمت أن لديه حبيبة، وأخبرته بالأمر، وأن علينا الافتراق.

لأكون صريحة لم أحس بالراحة بعد ما حدث، فسارعت للتوبة النصوح، وحلفت بأني لن أعود لمثل هذه الأشياء مجدداً، وطلبت المغفرة من الحكيم القدير، والحمد لله.

كما تعلمون أن من تعلق قلبه بغير الله لم يلق غير الألم، فأنا منذ انفصلت عن هذا الشاب لا أستطيع إكمال حياتي بشكل طبيعي، لقد فقدت شهيتي ونومي، وأشعر برجفة في قدمي، وألم في قلبي، خصوصاً أني صدمت، لظني في البداية أنه يحبني.

لا يمكنني تحديد ما إذا كان الذي أشعر به حباً أم خداعاً! والأكبر من ذلك أني أحس بشعور شديد بالذنب، وأني شخص سيئ، فكيف لي أن أفكر في صداقة في هذا العمر؟!

إن أكثر ما يمزق قلبي حالياً شعوري أني خنت ثقة أهلي، رغم أنهم لا يعلمون بالأمر، لكني أتألم كثيراً، وأشعر أن علي إخبارهم، والاعتذار لهم، لكن أخاف أن يخسروا ثقتهم بي، خصوصاً أني سمعت أن المجاهرة بالمعصية حرام، لكن لا أستطيع مواصلة كتمان هذا الألم، فهل علي أن أخبر أهلي بهذا الموضوع الذي يشغل بالي، أم أن علي إبقاءه سراً؟

أرجو منكم الإجابة، فأنا خائفة أني إن لم أجد حلاً، فإني سأخسر دراستي، كما تراودني أحلام يومياً بوالدي عليهما علامات حزن، ويقولان: إني خنت ثقتهما.

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ تسنيم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب.

نسأل الله تعالى أن يتوب عليكِ، وأن يغفر ذنبك، ويقدر لكِ الخير؛ نشكركِ على تواصلك بالموقع، كما نشكركِ على حرصكِ على الإحسان لوالديكِ، والحرص الشديد على عدم إيذائهما بما يُحزنهما، وهذا من توفيق الله تعالى.

نود أن نلخص نصيحتنا لكِ في النقاط التالية:

أولًا: اعلمي أن كل بني آدم خطّاء، وأن خير الخطّائين التوابون، كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فالشعور بالندم على الذنب أمر جيد، وهو واجب شرعي مطلوب، وهو جزء من التوبة فقط؛ ولكن لا يجوز أن يتطور إلى أن يصير محبطًا أو ميئسًا من رحمة الله، أو يصبح معطلًا للإنسان عن النافع في حياته، واكتساب ما ينفعه في آخرته.

ثانيًا: اعلمي أن الله سبحانه وتعالى غفور رحيم، وأنه يقبل التوبة عن عباده، كما أخبر بذلك في كتابه، بقوله: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات)، وأخبر في كتابه أنه يُبدل سيئات التائب حسنات، كما في آخر سورة الفرقان، وكما أخبرنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، بأن الله تعالى يفرح بتوبة العبد، وفرحه تعالى ليكرمه ويثيبه ويقربه إليه، وإلا فالله سبحانه وتعالى ليس بحاجة إلى هذا الإنسان.

قد أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم، فقال: (التائب من الذنب كمن لا ذنبه له)، فالتوبة تمحو وتمسح الذنب الذي قبله، والتوبة تعني الندم على فعل الذنب، والعزم على عدم الرجوع إليه في المستقبل، مع الإقلاع عنه، فإذا فعلت هذا فإن الله تعالى يقبل توبتك ويغفر ذنبك، ويرفعك درجات عنده سبحانه.

ثالثًا: اعلمي جيدًا أن الله سبحانه وتعالى قد لطف بكِ حين ستر عليكِ هذا الأمر، ولم يفضحكِ، ولم يطلع الآخرين على ما فعلت؛ فهذا فضل عظيم من الله، ورحمة كبيرة منه، فاقبلي عافية الله تعالى لك، واستري على نفسك، ولا تكلمي أحدًا بما جرى وبما حصل معك؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (فمن ابتُلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر) -رواه الإمام مالك في الموطأ-. أي: فليستر نفسه، ولا يُحدث بذنبه أحدًا من الناس.

رابعًا: اعلمي جيدًا -أيتها البنت الكريمة- أن الله سبحانه أيضًا قد لطف بكِ حين بيّن لكِ حقيقة الحال وجلى لك الموقف، وأطلعك على حقيقة خداع هؤلاء الناس، الذين يصطادون فرائسهم بإتقان وإحكام ومكر، فهم يتظاهرون بالحب والإخلاص، وربما يتوددون للفتاة بأنواع من الكلام الجميل، وإظهار التدين وغير ذلك، حتى تقع الفتاة فريسة سهلة، ثم يرمونها بعد قضاء مآربهم وحاجتهم، يرمونها حسيرة كسيرة، نادمة غارقة في بحار الحسرات والندامات؛ فهذه طبيعة المجرمين، وهذا دأبهم وهم معروفون، وغيرك كثير ممن جرب هذا؛ فاحمدي الله تعالى أن نجاكِ في بداية الطريق، وصرف عنكِ هذا الشاب.

اعلمي أن الله تعالى سيقدر لكِ الخير، وأنه لن يترككِ، فهو سبحانه وتعالى أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين.

أقبلي على الله تعالى بصدق، واعلمي أنك مأمورة بأن تحرصي على الشيء الذي ينفعكِ؛ فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز)، لا تدعي الشيطان يُحبِطكِ أو يُيأسكِ من الآمال الجميلة، فأنتِ ما زلتِ في بداية خطوات عمرك، وأمامكِ مستقبل زاهر مشرق، بعون الله تعالى.

احرصي على ما ينفعكِ، واستعيني بالله تعالى، وجاهدي نفسكِ على أداء فرائض الله، واجتناب ما حرمه؛ واحذري من استعمال وسائل التواصل الاجتماعي أثناء الخلوة، وكوني حريصة على أن لا تتواصلي مع أحد إلا بحضور والديكِ أو شخص آخر بجانبك؛ ليكون ذلك عونًا لكِ على عدم الدخول فيما لا تُحمد عقباه.

وأما هذه الأحلام؛ فهي من الشيطان، ليوقعك في الهم والغم، ولتفضحي سرك الذي ستره الله، فلا تبالي بهذه الأحلام، واستعيذي بالله من شرها، واعملي بجد واجتهاد، وأشغلي نفسك بما ينفعك، واسألي الله أن يعينك، واحذري في المستقبل من الوقوع في مثل هذه الآثام.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقكِ لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً