الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مَن سجد قبل إمامه سهوًا أو جهلا

السؤال

قال قائل من المصلين: دخلت المسجد لأصلي صلاة العصر في جماعة، فحدث التالي: كبّر الإمام تكبيرة الإحرام، وكبّرنا معه، فحدث الآتي: أخطأ الإمام عندما رفع من الركوع، فبدل أن يقول: "سمع الله لمن حمده"، قال: "الله أكبر"، فرفع ثلاثة من المصلين من الركوع وأنا رابعهم، ثم بعد رفع الإمام من الركوع صحح قوله، وقال: "سمع الله لمن حمده"، فبعدما قالها، سجدنا نحن الأربعة، فسبقنا الإمام في السجود، وانتظرت ساجدًا الإمام حتى سجد وأكملت معه، وبعد التسليم سجدت أنا فقط للسهو، والثلاثة لم يسجدوا للسهو، وسألنا إمام المسجد فقال: يجب أن يأتوا بركعة كاملة. انتهى.
ملاحظة: علمًا أنا ركعنا مع الإمام، ورفعنا معه، ولم نسجد معه، ولكن سجدنا قبله. فأفيدونا -جزاكم الله عنا، وعن الإسلام خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فالأحوط في حق الثلاثة أن يعيدوا صلاتهم؛ لأن من العلماء من قال ببطلان صلاة من سبق إمامه إلى السجود، ولم يرفع رأسه ليأتي به بعده، سواء سبقه عمدًا أم سهوًا، قال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: إذَا رَكَعَ أَوْ سَجَدَ قَبْلَ إمَامِهِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، ثُمَّ ذَكَرَ، فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ لِيَأْتِيَ بِهِ بَعْدَ إمَامِهِ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَمْدًا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْإِمَامُ فِيهِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ... اهــ.

ولا محل لسجود السهو الذي فعله أحدهم؛ لأن المأموم ليس عليه سجود سهو فيما سها فيه خلف الإمام، قال ابن قدامة في المغني: وَلَيْسَ عَلَى الْمَأْمُومِ سُجُودُ سَهْوٍ، إلَّا أَنْ يَسْهُوَ إمَامُهُ، فَيَسْجُدَ مَعَهُ)، وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمَأْمُومَ إذَا سَهَا دُونَ إمَامِهِ، فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ ... اهــ.

والحنفية الذين يصححون صلاة المأموم إذا سجد قبل إمامه سهوًا، إذا أدركه الإمامُ فيه، قالوا: ليس عليه سجود سهو، جاء في الأصل لمحمد بن الحسن الشيباني: قلت: أَرَأَيْت رجلا صلى خلف الإِمَام، وَكَانَ يقوم قبل الإِمَام، أَو كَانَ يقْعد قبل قعُود الإِمَام، أَو كَانَ سجد قبله وَهُوَ ساه فِي ذَلِك. هَل عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو؟ قَالَ: لَيْسَ على من خلف الإِمَام سَهْو، إِلَّا أَن يسهو الإِمَام ... اهـ.

والذي يظهر لنا في السؤال المذكور أن الذين سجدوا قبل الإمام، لم يسجدوا ظنًّا أن إمامهم سجد، وإنما سجدوا مع علمهم بأن الإمام لم يسجد.

فإن كان هذا هو الواقع، فإن صلاتهم بطلت، ويلزمهم إعادتها؛ لأنهم تعمدوا سبقه.

وإن سجدوا سهوًا، ظنًّا منهم أن الإمام سجد، فصلاتهم صحيحة، والأحوط إعادتها؛ لأن من العلماء من يقول ببطلان صلاة من سجد قبل إمامه ولو سهوًا أو جهلًا، قال في الإنصاف: إذَا فَعَلَ ذَاكَ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا، فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَلَوْ قُلْنَا: تَبْطُلُ بِالْعَمْدِيَّةِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ. اهــ.

وقد سبق أن بينا سابقًا أن من سبق الإمام بركن ـ كسجود، أو ركوع ـ ساهيًا، فصلاته صحيحة. وإن تعمد ذلك، ففي صحة صلاته خلاف بين أهل العلم، وانظر الفتوى رقم: 173867.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني