[ ص: 237 ] صاحب الموصل
الملك عز الدين أبو المظفر مسعود ابن الملك مودود بن الأتابك زنكي بن آقسنقر ، الأتابكي ، التركي ، الذي عمل المصاف مع صلاح الدين على قرون حماة ، فانكسر مسعود سنة سبعين ، ثم ورث حلب ، أوصى له بها ابن عمه الصالح إسماعيل ، فساق ، وطلع إلى القلعة ، وتزوج بوالدة الصالح ، فحاربه صلاح الدين ، وحاصر الموصل ثلاث مرات ، وجرت أمور ، ثم تصالحا ، وكان موتهما متقاربا .
تعلل مسعود ، وبقي عشرة أيام لا يتكلم إلا بالشهادة والتلاوة ، وإن تكلم بشيء استغفر ، وختم له بخير . وكان يزور الصالحين ، وفيه حلم وحياء ودين وقيام ليل ، وفيه عدل .
مات في شعبان سنة تسع وثمانين وخمسمائة .
قال ابن خلكان في ترجمة صاحب الموصل عز الدين مسعود بن مودود لما سار السلطان صلاح الدين من مصر ، وأخذ دمشق بعد موت نور الدين ، خاف منه صاحب الموصل غازي ، فجهز أخاه مسعودا هذا ليرد صلاح الدين عن البلاد ، فترحل صلاح الدين عن حلب في رجب سنة [ ص: 238 ] سبعين ، وأخذ حمص ، فانضم الحلبيون مع مسعود ، وعرف بذلك صلاح الدين ، فسار ، فوافاهم على قرون حماة ، فتراسلوا في الصلح ، فأبى مسعود ، وظن أنه يهزم صلاح الدين ، فالتقوا ، فانكسر مسعود ، وأسر عدة من أمرائه في رمضان ، وأطلقوا .
وعاد صلاح الدين ، فنزل على حلب ، فصالح ابن نور الدين على بذل المعرة وكفر طاب وبارين ، فترحل ، ثم تسلطن بالموصل مسعود ، فلما احتضر ولد نور الدين ، أوصى بحلب لمسعود ابن عمه ، واستخلف له الأمر ، فبادر إليها مسعود ، فدخلها في شعبان سنة 77 ، وتمكن ، وتزوج بأم الصالح ، وأقام بها نحو شهرين ، ثم خاف من صلاح الدين ، وألح عليه الأمراء بطلب إقطاعات ، ففارق حلب ، واستناب عليها مظفر الدين ابن صاحب إربل ثم اجتمع بأخيه زنكي فقايضه عن حلب بسنجار ، وتحالفا .
وقدم زنكي ، فتملك حلب في المحرم سنة 78 ، ورد صلاح الدين إلى مصر ، فبلغته الأمور ، فكر راجعا ، وبلغه أن مسعودا راسل الفرنج يحثهم على حرب صلاح الدين ، فغضب وسار ، فنازل حلب في جمادى الأولى سنة ثمان ، ثم ترحل بعد ثلاث ، فانحاز إليه مظفر الدين ابن صاحب إربل ، وقوى عزمه على قصد ممالك الجزيرة ، فعدى الفرات ، وأخذ الرقة ، والرها ، ونصيبين ، وسروج ، ثم نازل الموصل في رجب ، فرآها منيعة ، فنزل على سنجار أياما ، وافتتحها ، فأعطاها لتقي الدين عمر صاحب حماة ، ثم نازل الموصل في سنة إحدى وثمانين ، فنزلت إليه أم مسعود في نسوة ، فما أجابهن ، ثم ندم .
وبذلت المواصلة نفوسهم في القتال ليالي ، فأتاه موت صاحب خلاط [ ص: 239 ] شاه أرمن وتملك مملوكه بكتمر ، فلان بكتمر أن يملك صلاح الدين خلاط ويكون من دولته ، وترددت الرسل ، وأقبل بهلوان صاحب أذربيجان ليأخذ خلاط ، فراوغ بكتمر الملكين ، ونزل صلاح الدين على ميافارقين ، فجد في حصارها إلى أن فتحها ، وأخذها من قطب الدين الأرتقي ، وكر إلى الموصل ، فتمرض مدة ، ورق ، وصالح أهل الموصل ، وحلف لهم وتمكن حينئذ مسعود ، واطمأن إلى أن مات بعد صلاح الدين بأشهر بعلة الإسهال ، ودفن بمدرسته الكبرى ، وتملك بعده ابنه نور الدين مدة ، ثم مات عن ابنين : القاهر مسعود ، والمنصور زنكي .