مسعود
كان طوالا جسيما ، مليحا ، كبير العين ، شديدا حازما ، كثير البر ، ساد الجواب ، رءوفا بالرعية ، محبا للعلم . صنف له كتب في فنون ، وكان أبوه يخشى مكانه ، ويحب أخاه محمدا ، فأبعد مسعودا ، وأعطاه الري والجبال ، وطلب منه أن يحلف لأخيه أنه لا يقاتله ، قال : أفعل إن أشهد مولانا على نفسه أني لست ولده ، أو يحلف لي أخي أنه لا يخفيني من ميراثي شيئا .
ولما سمع مسعود بموت أبيه ، لبس السواد ، وبكى ، وعمل عزاءه بأصبهان ، وخطب لنفسه بأصبهان والري وأرمينية ، ثم سار واستقر بنيسابور ، ومالت الأمراء إلى شهاب الدولة مسعود ، وجرت بينه وبين أخيه محمد مراسلات ، ثم قبضوا على محمد ، وبادروا إلى خدمة السلطان مسعود ، فقدم هراة ، وكان أخوه محمد الملقب بجمال الدولة منهمكا في اللذات المردية والسكر . ثم قبض مسعود على عمه يوسف وعلى علي الحاجب . ودانت له الممالك ، وأظهر كتاب ، وأنه لقبه القادر بالله بالناصر لدين الله ظهير خليفة الله . ولبس خلعا وتاجا ، ثم [ ص: 496 ] أطلق الوزير أحمد بن الحسن الميمندي ، واستوزره ثم أخذت الري من مسعود ، فجهز جيشا استباحوها ، وعملوا قبائح وجرت له حروب على الدنيا ، وقدم عليه رسول الديوان ، فاحتفل لقدومه ، وزينت خراسان ، وكان يوم قدومه بلخ يوما مشهودا كدخول السلطان . وكان في الموكب مائتا فيل والجيش ملبس .
ووقع الوباء في عام ثلاثة وعشرين وأربعمائة بالهند وغزنة وأطراف خراسان ، حتى إنه خرج من أصبهان في مدة قريبة أربعون ألف جنازة ، وكان ملكها أبو جعفر بن كاكويه والخليفة القائم وسلطان العراق جلال الدولة ، على وأبو كاليجار فارس ، ومسعود بن محمد على خراسان والجبال والغور والهند . وتوفي قدرخان التركي صاحب ما وراء النهر في هذا العام ، وتأهب مسعود ، وحشد يقصد العراق ، فجاءه أمر شغله ; وهو عصيان نائبه على الهند ، فسار لقصده ، وجهزه مسعود ; وهو الأمير أحمد بن ينال تكين ثم عاثت الترك الغزية بما وراء النهر ، فقصدهم مسعود ، وأوقع بهم ، وأثخن فيهم ، ثم كر إلى طبرستان ، لأن نائبها فارق الطاعة ، وجرت له خطوب .
ثم اضطرب جند مسعود ، وتجرءوا عليه ، وبادرت الغز ، فأخذوا نيسابور وبدعوا ، فاستنجد مسعود بملوك ما وراء النهر فما نفعوا ، ثم سارت الغز لحربه ، وعليهم طغرلبك ، وأخوه داود ، [ ص: 497 ] فهزموه ، وأخذت خزائنه ، وركب هو فيلا ماهرا حركا يعده للحروب ، فنجا عليه في قل من غلمانه ، وكان جسيما لا يعدو به فرس إلا قليلا ، ثم أقام بغزنة ، وأخلد إلى اللذات ، وذهبت منه خراسان ، فعزم على سكنى الهند بآله ورجاله . وشرع في ذلك في سنة اثنتين وثلاثين في الشتاء لفرط برد غزنة ، وأخذ معه أخاه محمدا مسمولا ، فلما وصل إلى نهر الهند ، نزل عليه ، وواصل السكر ، واستقر بقلعة هناك ، وتخطفه بعض العسكر ، وذل ، فخلعوه ، وملكوا المسمول محمدا ، وقبض عليه محمد ، وقال : لأقابلنك على فعلك بي ، فاختر مكانا تنزله بحشمك . فاختار قلعة ، فبعثه إليها مكرما . فعمل عليه ولد محمد وجماعة ، وبيتوه وقتلوه حنقا عليه ، وجاءوا برأسه إلى السلطان المسمول ، فبكى ، وغضب على ابنه ، ودعا عليه ، وكان مودود بن مسعود مقيما بغزنة وبينهما عشرة أيام ، فسارع في خمسة آلاف ، وبيت محمدا ، وقتل أمراء ، وقبض على عمه محمد ، وقتل الذين قتلوا أباه ; وكانوا اثني عشر ، ثم قتل عمه محمدا .