[ المسألة الرابعة ]
[ إذا باع الزرع وقد وجبت فيه الزكاة ]
وأما اختلافهم في : فإن قوما قالوا : يأخذ المصدق الزكاة من المال نفسه ويرجع المشتري بقيمته على البائع ، وبه قال المال يباع بعد وجوب الصدقة فيه . وقال قوم : البيع مفسوخ ، وبه قال أبو ثور . وقال الشافعي أبو حنيفة : المشتري بالخيار بين إنفاذ البيع ورده ، والعشر مأخوذ من الثمرة أو من الحب الذي وجبت فيه الزكاة ، وقال مالك : الزكاة على البائع .
وسبب اختلافهم : تشبيه بيع مال الزكاة بتفويته وإتلاف عينه ، فمن شبهه بذلك قال : الزكاة مترتبة في ذمة المتلف والمفوت . ومن قال البيع ليس بإتلاف لعين المال ولا تفويت له ، وإنما هو بمنزلة من باع ما ليس له قال : الزكاة في عين المال ، ثم هل البيع مفسوخ أو غير مفسوخ نظر آخر يذكر في باب البيوع - إن شاء الله تعالى .
ومن هذا النوع اختلافهم في زكاة المال الموهوب ، وفي بعض هذه المسائل التي ذكرنا تفصيل في المذهب لم نر أن نتعرض له إذ كان غير موافق لغرضنا مع أنه يعسر فيها إعطاء أسباب تلك الفروق لأنها أكثرها استحسانية ، مثل تفصيلهم الديون التي تزكى من التي لا تزكى ، والديون المسقطة للزكاة من التي لا تسقطها ، فهذا ما رأينا أن نذكره في هذه الجملة ، وهي معرفة من تجب عليه الزكاة ، وشروط الملك التي تجب به ، وأحكام من تجب عليه .
وقد بقي من أحكامه حكم مشهور ، وهو :
ماذا حكم من منع الزكاة ولم يجحد وجوبها ؟ فذهب أبو بكر - رضي الله عنه - إلى أن حكمه حكم المرتد ، وبذلك حكم في من العرب ; وذلك أنه قاتلهم وسبى ذريتهم ، وخالفه في ذلك مانع الزكاة عمر - رضي الله عنه - وأطلق من كان استرق منهم ، وبقول عمر قال الجمهور . وذهبت طائفة إلى تكفير من منع فريضة من الفرائض وإن لم يجحد وجوبها .
وسبب اختلافهم : هل اسم الإيمان الذي هو ضد الكفر ينطلق على الاعتقاد دون العمل فقط ، أو من شرطه وجود العمل معه ؟ فمنهم من رأى أن من شرطه وجود العمل معه ، ومنهم من لم يشترط ذلك حتى لو لم يلفظ بالشهادة إذا صدق بها فحكمه حكم المؤمن عند الله ، والجمهور - وهم أهل السنة - على أنه ليس يشترط فيه - أعني : في اعتقاد الإيمان الذي ضده الكفر من الأعمال - إلا التلفظ بالشهادة فقط ، [ ص: 210 ] لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " " فاشترط مع العلم القول ، وهو عمل من الأعمال . أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويؤمنوا بي
فمن شبه سائر الأفعال الواجبة بالقول قال : جميع الأعمال المفروضة شرط في العلم الذي هو الإيمان . ومن شبه القول بسائر الأعمال التي اتفق الجمهور على أنها ليست شرطا في العلم الذي هو الإيمان قال : التصديق فقط هو شرط الإيمان ، وبه يكون حكمه عند الله - تعالى - حكم المؤمن ، والقولان شاذان ، واستثناء التلفظ بالشهادتين من سائر الأعمال هو الذي عليه الجمهور .