اعلم أن الضمير المحذوف الذي هو فاعل علم قال بعض أهل العلم : إنه راجع إلى الله في قوله : ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات وعلى هذا فالمعنى كل من المسبحين والمصلين ، قد علم الله صلاته وتسبيحه ، وقال بعض أهل العلم : إن الضمير المذكور راجع إلى قوله : كل أي : كل من المصلين والمسبحين ، قد علم صلاة نفسه وتسبيح نفسه ، وقد قدمنا في سورة " النحل " ، في الكلام على قوله تعالى : من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن الآية [ 16 \ 97 ] ، كلام الأصوليين في أن اللفظ إن احتمل التوكيد والتأسيس حمل على التأسيس ، وبينا أمثلة متعددة لذلك من القرآن العظيم .
وإذا علمت ذلك ، فاعلم أن الأظهر على مقتضى ما ذكرنا عن الأصوليين ، أن يكون ضمير الفاعل المحذوف في قوله : كل قد علم صلاته وتسبيحه راجعا إلى قوله : [ ص: 552 ] كل أي : كل من المصلين قد علم صلاة نفسه ، وكل من المسبحين قد علم تسبيح نفسه ، وعلى هذا القول فقوله تعالى : والله عليم بما يفعلون تأسيس لا تأكيد ، أما على القول بأن الضمير راجع إلى الله ، أي : قد علم الله صلاته يكون قوله : والله عليم بما يفعلون كالتكرار مع ذلك ، فيكون من قبيل التوكيد اللفظي .
وقد علمت أن المقرر في الأصول أن الحمل على التأسيس أرجح من الحمل على التوكيد ; كما تقدم إيضاحه . والظاهر أن ، ونحن لا نعلمهما ; كما قال تعالى : الطير تسبح وتصلي صلاة وتسبيحا يعلمهما الله وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم [ 17 \ 44 ] .
ومن الآيات الدالة على أن غير العقلاء من المخلوقات لها إدراك يعلمه الله ونحن لا نعلمه ، قوله تعالى في الحجارة : وإن منها لما يهبط من خشية الله [ 2 \ 74 ] ، فأثبت خشيته للحجارة ، والخشية تكون بإدراك ، وقوله تعالى : لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله [ 59 \ 21 ] ، وقوله تعالى : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها الآية [ 33 \ 72 ] ، والإباء والإشفاق إنما يكونان بإدراك ، والآيات والأحاديث واردة بذلك ، وهو الحق ، وظاهر الآية أن للطير صلاة وتسبيحا ، ولا مانع من الحمل على الظاهر ، ونقل القرطبي عن سفيان : أن للطير صلاة ليس فيها ركوع ولا سجود ، اهـ .
ومعلوم أن الدعاء ، ومنه قول الصلاة في اللغة الأعشى :
تقول بنتي وقد غربت مرتحلا
يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاغتبطي
نوما فإن لجنب المرء مضطجعا
فقوله : مثل الذي صليت ، أي : دعوت ، يعني قولها : يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا .
وقوله : صافات أي : صافات أجنحتها في الهواء ، وقد بين تعالى في غير هذا الموضع أن إمساكه الطير صافات أجنحتها في الهواء وقابضات لها من آيات قدرته ، واستحقاقه العبادة وحده ، وذلك في قوله تعالى : أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن الآية [ 67 \ 19 ] ، وقوله تعالى : [ ص: 553 ] ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون [ 16 \ 79 ] .