[فصل]
: وقد احتج لهم بعض الجهال فقال هؤلاء في غيبة فلا يلامون فإن فإذا اشتد طربهم رموا ثيابهم على المغني فمنهم من يرمي بها صحاحا ومنهم من يخرقها ثم يرمي بها موسى عليه السلام لما غلب عليه الغم بعبادة قومه العجل رمى الألواح فكسرها ولم يدر ما صنع : والجواب أن نقول من يصحح عن موسى بأنه رماها رمي كاسر والذي ذكر في القرآن إلقاءها فحسب فمن أين لنا أنها تكسرت ، ثم لو قيل تكسرت فمن أين لنا أنه قصد كسرها ثم لو صححنا ذلك عنه قلنا : كان في غيبة حتى لو كان بين يديه حينئذ بحر من نار لخاضه ومن يصحح لهؤلاء غيبتهم وهم يعرفون المغني من غيره ويحذرون من بئر إن كانت عندهم . ثم كيف يقاس أحوال الأنبياء على أحوال هؤلاء السفهاء ولقد رأيت [ ص: 253 ] شابا من الصوفية يمشي في الأسواق ويصيح والغلمان يمشون خلفه وهو يبربر ويخرج إلى الجمعة فيصيح صيحات وهو يصلي الجمعة فسئلت عن صلاته ، فقلت : إن كان وقت صياحه غائبا فقد بطل وضوءه وإن كان حاضرا فهو متصنع وكان هذا الرجل جلدا لا يعمل شيئا . بل يدار له بزنبيل في كل يوم فيجمع له ما يأكل هو وأصحابه فهذه حالة المتأكلين لا المتوكلين . ثم لو قدرنا أن القوم يصيحون عن غيبة فإن تعرضهم لما يغطي على العقول من سماع ما يطرب منهي عنه كالتعرض لكل ما غالبه الأذى وقد سئل عن تواجدهم وتخريق ثيابهم فقال خطأ وحرام وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وعن شق الجيوب فقال له قائل . فإنهم لا يعقلون ما يفعلون . قال إن حضروا هذه الأمكنة مع علمهم أن الطرب يغلب عليهم فيزيل عقولهم أثموا بما يدخل عليهم من التخريق وغيره مما يفسد ولا يسقط عنهم خطاب الشرع لأنهم مخاطبون قبل الحضور بتجنب هذه المواضع التي تفضي إلى ذلك كما هم منهيون عن شرب المسكر فإذا سكروا وجرى منهم إفساد الأموال لم يسقط الخطاب لسكرهم كذلك هذا الطرب الذي يسميه أهل التصوف وجدا إن صدقوا فيه فسكر طبع وإن كذبوا فنبيذ ومع الصحو فلا سلامة فيه مع الحالين وتجنب مواضع الريب واجب . ابن عقيل
واحتج لهم ابن طاهر في تخريقهم الثياب بحديث رضي الله عنها قالت . عائشة نصبت حجلة لي فيها رقم فمدها النبي صلى الله عليه وسلم فشقها .
قال المصنف رحمه الله : فانظر إلى فقه هذا الرجل المسكين كيف يقيس حال من يمزق ثيابه فيفسدها وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال على مد ستر ليحط فانشق لا عن قصد . أو كان عن قصد لأجل الصور التي كانت فيه : وهذا من التشديد في حق الشارع عن المنهيات كما أمر بكسر الدنان في الخمور فإن ادعى مخرق ثيابه أنه غائب قلنا الشيطان غيبك لأنك لو كنت مع الحق لحفظك فإن الحق لا يفسد .
وقد أخبرنا محمد بن أبي القاسم ، نا حمد بن أحمد ، نا ، ثنا أبو نعيم الحافظ محمد بن علي بن حشيش ، ثنا عبد الله بن الصقر ، ثنا الصلت بن مسعود ، ثنا قال سمعت جعفر بن سليمان أبا عمران الجوني يقول وعظ موسى بن عمران عليه السلام يوما [ ص: 254 ] فشق رجل منهم قميصه فأوحى الله عز وجل لموسى قل لصاحب القميص لا يشق قميصه أيشرح لي عن قلبه .