: وقد احتج بعضهم بقوله تعالى لأيوب : ( فإذا قوي طربهم رقصوا اركض برجلك ) .
قال المصنف رحمه الله قلت : وهذا الاحتجاج بارد لأنه لو كان أمر بضرب الرجل فرحا كان لهم فيه شبهة وإنما أمر بضرب الرجل لينبع الماء . قال أين الدلالة في مبتلى أمر عند كشف البلاء بأن يضرب برجله الأرض لينبع الماء إعجازا من الرقص . ولئن جاز أن يكون تحريك رجل قد أنحلها تحكم الهوام دلالة على جواز ابن عقيل الرقص في الإسلام جاز أن يجعل قوله تعالى لموسى ( اضرب بعصاك الحجر ) دلالة على ضرب الجماد بالقضبان نعوذ بالله من التلاعب بالشرع ، واحتج بعض ناصريهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت مني وأنا منك - فحجل لعلي قال لجعفر - أشبهت خلقي وخلقي - فحجل وقال لزيد : أنت أخونا ومولانا - فحجل . ومنهم من احتج بأن وقال الحبشة زفنت والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليهم . فالجواب : أما الحجل فهو نوع من المشي يفعل عند الفرح فأين هو [ ص: 251 ] من الرقص وكذلك زفن الحبشة نوع من المشي بتشبيب يفعل عند اللقاء بالحرب .
واحتج لهم على جواز الرقص بما أخبرنا به أبو عبد الرحمن السلمي أبو نصر محمد بن منصور الهمداني ، نا إسماعيل بن أحمد بن عبد الملك المؤذن ، نا أبو صالح أحمد بن عبد الملك ، وأبو سعيد محمد بن عبد العزيز ، وأبو محمد عبد الحميد بن عبد الرحمن قالوا ثنا ، ثنا أبو عبد الرحمن السلمي أبو العباس أحمد بن سعيد المعداني ، ثنا محمد بن سعيد المروزي ، ثنا عباس الرقيقي ، ثنا عبد الله بن عمر الوراق ، ثنا الحسن بن علي بن منصور ، ثنا أبو عتاب المصري ، عن أن إبراهيم بن محمد الشافعي مر في بعض أزقة سعيد بن المسيب مكة فسمع الأخصر الحداء يتغنى في دار العاص بن وائل بهذا :
تضوع مسكا بطن نعمان أن مشت به زينب في نسوة عطرات فلما رأت ركب النميري أعرضت
وهن من أن يلقينه حذرات
قال المصنف رحمه الله : ثم لو قدرنا أن ضرب برجله الأرض فليس في ذلك حجة على جواز الرقص ، فإن الإنسان قد يضرب الأرض برجله أو يدقها بيده لشيء يسمعه ولا يسمى ذلك رقصا . فما أقبح هذا التعلق وأين ضرب الأرض بالقدم مرة أو مرتين من رقصهم الذي يخرجون به عن سمت العقلاء ثم دعونا من الاحتجاج تعالوا نتقاضى إلى العقول أي معنى في الرقص إلا اللعب الذي يليق بالأطفال ، وما الذي فيه من تحريك القلوب إلى الآخرة . هذه والله مكبر باردة . ابن المسيب
ولقد حدثني بعض المشايخ عن الغزالي أنه قال : الرقص [ ص: 252 ] حماقة بين الكتفين لا تزول إلا بالتعب ، وقال أبو الوفاء بن عقيل . قد نص القرآن على النهي عن الرقص فقال عز وجل : ( ولا تمش في الأرض مرحا ) : فقال الله تعالى ( وذم المختال إن الله لا يحب كل مختال فخور ) .
والرقص أشد المرح والبطر أولسنا الذين قسنا النبيذ على الخمر لاتفاقهما في الإطراب والسكر . فما بالنا لا نقيس القضيب وتلحين الشعر معه على الطنبور والمزمار والطبل لاجتماعهما في الإطراب ، وهل شيء يزري بالعقل والوقار ويخرج عن سمت الحلم والأدب أقبح من ذي لحية يرقص فكيف إذا كانت شيبة ترقص وتصفق على وقاع الألحان والقضبان خصوصا إذا كانت أصوات نسوان ومردان وهل يحسن بمن بين يديه الموت والسؤال والحشر والصراط ثم هو إلى إحدى الدارين صائر أن يشمس بالرقص شمس البهائم ويصفق تصفيق النسوة والله لقد رأيت مشايخ في عصري ما بان لهم سن في تبسم فضلا عن ضحك مع إدمان مخالطتي لهم . كالشيخ أبي القاسم بن زيدان ، وعبد الملك بن بشران ، وأبي طاهر بن العلاف ، والجنيد ، والدينوري .