الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الترغيب في الوفاء بالوعد، وأحكام إخلافه

السؤال

زوجي لا يلتزم معي باتفاق، ولا يفعل أي شيء نتفق عليه سويا، وعلى هذا الحال منذ زواجنا، وفي كل مرة بعد أن أهيئ نفسي لفعل ما اتفقنا عليه ينكره، أو يقول لي انسي هذا الكلام، وأنا سأفعل ما في دماغي، وأولادي بدؤوا يشعرون بهذا التصرف من أبيهم، فأكثر من مرة يعدهم بفعل أشياء ثم لا يفعلها، وقد تعبت من هذه المعاملة، ولا أستطيع أن أثق فيه، ولا في كلامه، فما حكم الإسلام في هذا؟ وهل الاتفاقات التي تكون بيني وبينه تكون بمثابة وعود؟ أم ماذا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالوفاء بالوعد؛ من صفات المؤمنين، وإخلاف الوعد من غير عذر؛ من صفات المنافقين، ففي الصحيحين عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان.

أمّا من وعد غيره وكان عازما على الوفاء، ثمّ عرض له ما يقتضي عدم الوفاء؛ فهو معذور، وليس متصفا بصفة المنافقين.

قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- في جامع العلوم والحكم: إذا وعد أخلف، وهو على نوعين:

أحدهما: أن يعد ومن نيته أن لا يفي بوعده، وهذا أشر الخلف، ولو قال: أفعل كذا -إن شاء الله تعالى- ومن نيته أن لا يفعل، كان كذبا وخلفا، قاله الأوزاعي.

الثاني: أن يعد ومن نيته أن يفي، ثم يبدو له، فيخلف من غير عذر له في الخلف. انتهى.

وقال العيني -رحمه الله- في عمدة القاري شرح صحيح البخاري: وبقوله: إذا وعد أخلف- نبه على فساد النية، لأن خلف الوعد لا يقدح إلا إذا عزم عليه مقارنا بوعده، أما إذا كان عازما، ثم عرض له مانع، أو بدا له رأي، فهذا لم توجد فيه صفة النفاق، ويشهد لذلك ما رواه الطبراني بإسناد لا بأس به في حديث طويل من حديث سلمان، رضي الله عنه: إذا وعد وهو يحدث نفسه أنه يخلف، وكذا قال في باقي الخصال، وقال العلماء: يستحب الوفاء بالوعد بالهبة، وغيرها استحبابا مؤكدا، ويكره إخلافه كراهة تنزيه، لا تحريم. انتهى.

فإذا كان الزوج يعد الزوجة وهو عازم على الوفاء، ثم يظهر له بعد ذلك أنّ المصلحة في خلاف ما وعد به، أو يحول بينه وبين الوفاء بالوعد شيء؛ فلا حرج عليه.

أمّا إن كان يعد وهو ينوي ألا يفعل، أو يترك الوفاء بغير عذر؛ فهو مؤاخذ على ذلك، إلا إذا حصل منه ذلك في شيء لا يلزمه، وكان غرضه جلب المودة، وجبر الخاطر؛ فلا حرج عليه في هذه الحال؛ فقد رُخِّص للزوج في الكذب على زوجته في مثل هذه الأمور، ففي صحيح مسلم عن أم كلثوم بنت عقبة -رضي الله عنها- أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، ويقول خيرا، وينمي خيرا... ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.

قال النووي -رحمه الله- في شرحه على مسلم: وأما كذبه لزوجته، وكذبها له، فالمراد به في إظهار الود، والوعد بما لا يلزم، ونحو ذلك، فأما المخادعة في منع ما عليه، أو عليها، أو أخذ ما ليس له، أو لها، فهو حرام بإجماع المسلمين. انتهى.

وينبغي على الزوجة أن تحسن الظن بزوجها، وتلتمس له الأعذار؛ كما ينبغي على الزوج أن يحرص على الوفاء بوعوده مع زوجته، وأولاده، ويحذر من إخلاف الوعد بغير عذر؛ وخاصة مع أولاده الصغار؛ حتى لا يفقدوا الثقة في الوالد، ويتهاونوا في الكذب، جاء في المعجم الكبير للطبراني عن ابن مسعود، قال: لا يصلح من الكذب هزل ولا جد، ولا أن يعد أحدكم صبيه شيئا، ثم لا ينجز له.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني